(فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩))
قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا) ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر (فَأْذَنُوا) مقصورة مفتوحة. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم «فآذنوا» بمدّ الألف وكسر الذال. قال الزجّاج : من قرأ : فأذنوا ، بقصر الألف وفتح الذال ، فالمعنى : أيقنوا. ومن قرأ بمدّ الألف وكسر الذال ، فمعناه : أعلموا كلّ من لم يترك الرّبا أنه حرب. قال ابن عباس : يقال يوم القيامة لآكل الربا : خذ سلاحك للحرب. قوله تعالى : (وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) أي التي أقرضتموها ، لا تظلمون فتأخذون أكثر منها ، ولا تظلمون فتنقصون منها ، والجمهور على فتح «تاء» تظلمون الأولى ، وضم «تاء» تظلمون الثانية. وروى المفضّل عن عاصم : ضمّ الأولى ، وفتح الثانية.
(وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠))
قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ). ذكر ابن السّائب ، ومقاتل أنه لما نزل قوله تعالى : (وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا) ، قال بنو عمرو بن عمير لبني المغيرة : هاتوا رؤوس أموالنا ، وندع لكم الرّبا ، فشكا بنو المغيرة العسرة ، فنزلت هذه الآية (١). فأمّا العسرة ، فهي الفقر ، والضّيق. والجمهور على تسكين السين ، وضمّها أبو جعفر هاهنا ، وفي (ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (٢). وقرأ الجمهور بفتح سين «الميسرة» ، وضمّها نافع ، وتابعه زيد عن يعقوب على ضمّ السين ، إلا أنه زاد ، فكسر الراء ، وقلب الياء هاء ، ووصلها بباء. قال الزجّاج : ومعنى وإن كان : وإن وقع. والنّظرة ؛ التّأخير ، فأمرهم بتأخير رأس المال بعد إسقاط الرّبا إذا كان المطالب معسرا ، وأعلمهم أن الصّدقة عليه بذلك أفضل بقوله تعالى : (وَأَنْ تَصَدَّقُوا) والأكثرون على تشديد الصاد ، وخفّفها عاصم مع تشديد الدال. وسكّنها ابن أبي عبلة مع ضمّ الدال فجعله من الصّدق.
(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١))
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ، قرأ أبو عمرو بفتح تاء «ترجعون» وضمّها الباقون. قال ابن عباس ، وأبو سعيد الخدريّ ، وسعيد بن جبير ، وعطيّة ، ومقاتل في آخرين : هذه آخر آية نزلت من القرآن (٣). قال ابن عباس : وتوفّي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعدها بأحد وثمانين
__________________
(١) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ١٨٦ عن الكلبي ، وهو محمد بن السائب بدون إسناد ، والكلبي متهم.
ـ وأما أثر مقاتل ، فهو لا شيء أيضا ، لكن ورد هذا الخبر من وجوه أخر ، انظر الحديث ١٤٨.
(٢) سورة التوبة : ١١٧.
(٣) أثر ابن عباس صحيح. أخرجه النسائي في «التفسير» ٧٧ و ٧٨ عن ابن عباس موقوفا وإسناده جيد. وبوب به البخاري فقال باب (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ) ثم أخرج ٤٥٤٤ عن ابن عباس : آخر آية نزلت على النبي صلىاللهعليهوسلم آية الربا. وأثر عطية العوفي ، أخرجه الواحدي في «الأسباب» ٩ ، وهذا مرسل. وأثر ابن جبير ، أخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر» ١ / ٦٥٣ ، ولم أر من أسنده إلى أبي سعيد ، وبكل حال الخبر صحيح ، في أنها آخر آية نزلت.