أحدهما : كما علّمه الله الكتابة ، قاله سعيد بن جبير. وقال الشّعبيّ : الكتابة فرض على الكفاية كالجهاد. والثاني : كما أمره الله به من الحق ، قاله الزجّاج.
قوله تعالى ؛ (وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ) ، قال سعيد بن جبير : يعني المطلوب ، يقول : ليمل ما عليه من حقّ الطّالب على الكاتب ، (وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ) ، أي : لا ينقص عند الإملاء. قال شيخنا أبو منصور اللّغويّ : يقال : أمللت أملّ ، وأمليت أملي لغتان : فأمليت من الإملاء وأمللت من الملل والملال ، لأن المملّ يطيل قوله على الكاتب ويكرّره.
قوله تعالى : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً) ، في المراد بالسّفيه هاهنا أربعة أقوال : أحدها : أنه الجاهل بالأموال ، والجاهل بالإملاء ، قاله مجاهد ، وابن جبير. والثاني : أنه الصبي والمرأة ، قاله الحسن. والثالث : أنه الصغير ، قاله الضحّاك ، والسّدّيّ. والرابع : أنه المبذّر ، قاله القاضي أبو يعلى. وفي المراد بالضّعيف ثلاثة أقوال : أحدها : أنه العاجز والأخرس ومن به حمق ، قاله ابن عباس وابن جبير. والثاني : أنه الأحمق ، قاله مجاهد والسّدّيّ. والثالث : أنه الصغير ، قاله القاضي أبو يعلى. قوله تعالى : (أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ) ، قال ابن عباس : لا يستطيع لعيّه. وقال ابن جبير : لا يحسن أن يملّ ما عليه ، وقال القاضي أبو يعلى : هو المجنون.
قوله تعالى ؛ (فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ) في هاء الكناية قولان : أحدهما : أنها تعود إلى الحق ، فتقديره : فليملل وليّ الحق ، هذا قول ابن عباس ، وابن جبير ، والرّبيع بن أنس ، ومقاتل ، واختاره ابن قتيبة. والثاني : أنها تعود إلى الذي عليه الحق ، وهذا قول الضحّاك ، وابن زيد ، واختاره الزجّاج ، وعاب قول الأوّلين ، فقال : كيف يقبل المدّعى! وما حاجته إلى الكتاب والإشهاد ، والقول قوله؟! وهذا اختيار القاضي أبي يعلى أيضا. والعدل : الإنصاف. وفي قوله تعالى : (مِنْ رِجالِكُمْ) ، قولان : أحدهما : أنه يعني الأحرار ، قاله مجاهد. والثاني : أهل الإسلام ، وهذا اختيار الزجّاج ، والقاضي أبي يعلى ، ويدلّ عليه أنه خاطب المؤمنين في أوّل الآية.
قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ) ، أراد : فإن لم يكن الشهيدان رجلين (فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ) ، ولم يرد به : إن لم يوجد رجلان.
قوله تعالى : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) ، قال ابن عباس : من أهل الفضل والدّين.
قوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) ، ذكر الزجّاج ، أن الخليل ، وسيبويه ، وسائر النحويّين الموثوق بعلمهم ، قالوا : معناه : استشهدوا امرأتين ، لأن تذكّر إحداهما الأخرى. ومن أجل أن تذكّر إحداهما الأخرى. وقرأ حمزة «إن تضل» بكسر الألف. والضّلال هاهنا : النّسيان ، قاله ابن عباس ، والضحّاك ، والسّدّيّ ، ومقاتل ، وأبو عبيدة ، وابن قتيبة. فأمّا قوله : «فتذكر» فقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، بالتخفيف مع نصب الراء ، وقرأ حمزة بالرفع مع تشديد الكاف ، وقرأ الباقون بالنصب وتشديد الكاف ، فمن شدّد أراد الإذكار عند النسيان ، وفي قراءة من خفّف قولان : أحدهما : أنها بمعنى المشدّدة أيضا ، وهذا قول الجمهور. قال الضحّاك ، والرّبيع بن أنس ، والسّديّ : ومعنى القراءتين واحد. والثاني : أنها بمعنى : تجعل شهادتهما بمنزلة شهادة ذكر ، وهذا مذهب سفيان بن عيينة ، وحكى الأصمعيّ عن أبي عمرو نحوه. واختاره القاضي أبو يعلى ، وقد ردّه جماعة ، منهم ابن قتيبة. قال أبو