أنهم المؤمنون ، روي عن ابن مسعود ، والحسن. والثاني : الكفار ، فيكون معطوفا على الذي قبله ، وهو يخرج على قول ابن عباس الذي ذكرناه آنفا. والثالث : أنهم اليهود ، ذكره الفرّاء ، وابن الأنباريّ ، وابن جرير. فإن قيل : لم قال (قَدْ كانَ لَكُمْ) ولم يقل قد كانت لكم : فالجواب من وجهين : أحدهما : أنّ ما ليس بمؤنث حقيقي ، يجوز تذكيره. والثاني : أنه ردّ المعنى إلى البيان ، فمعناه : قد كان لكم بيان فذهب إلى المعنى ، وترك اللفظ ، وأنشدوا :
إنّ امرأ غرّه منكنّ واحدة |
|
بعدي وبعدك في الدّنيا لمغرور |
وقد سبق معنى «الآية» ، و «الفئة» وكل مشكل تركت شرحه ، فإنك تجده فيما سبق ، والمراد بالفئتين : النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، ومشركو قريش يوم بدر. قاله قتادة والجماعة.
وفي قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ) قولان : أحدهما : يرونهم ثلاثة أمثالهم قاله الفرّاء ، واحتجّ بأنك إذا قلت : عندي ألف دينار ، وأحتاج إلى مثليه ، فإنك تحتاج إلى ثلاثة آلاف. والثاني : أن معناه يرونهم ومثلهم ، قال الزّجّاج : وهو الصحيح.
قوله تعالى : (رَأْيَ الْعَيْنِ) أي : في رأي العين. قال ابن جرير : جاء هذا على مصدر رأيته ، يقال : رأيته رأيا ، ورؤية. واختلفوا في الفئة الرّائية على ثلاثة أقوال : هي التي ذكرناها في قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) فإن قلنا : إن الفئة الرّائية المسلمون ، فوجهه أنّ المشركين كانوا يضعفون على عدد المسلمين ، فرأوهم على ما هم عليه ، ثم نصرهم الله ، وكذلك إن قلنا : إنهم اليهود. وإن قلنا : إنهم المشركون ، فتكثير المسلمين في أعينهم من أسباب النصر. وقد قرأ نافع : «ترونهم» بالتاء. قال ابن الأنباريّ : ذهب إلى أن الخطاب لليهود. قال الفرّاء : ويجوز لمن قرأ «يرونهم» بالياء أن يجعل الفعل لليهود ، وإن كان قد خاطبهم في قوله تعالى : (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ) لأنّ العرب ترجع من الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى الخطاب. وقد شرحنا هذا في «الفاتحة» وغيرها. فإن قيل : كيف يقال : إن المشركين استكثروا المسلمين ، وإنّ المسلمين استكثروا المشركين ، وقد بيّن قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) (١) أنّ الفئتين تساوتا في استقلال إحداهما للأخرى؟ فالجواب : أنهم استكثروهم في حال ، واستقلّوهم في حال ، فإن قلنا : إن الفئة الرّائية المسلمون ، فإنّهم رأوا عدد المشركين عند بداية القتال على ما هم عليه ، ثم قلّل الله المشركين في أعينهم حتى اجترءوا عليهم ، فنصرهم الله بذلك السبب. قال ابن مسعود : نظرنا إلى المشركين فرأيناهم يضعفون علينا ، ثم نظرنا إليهم ، فما رأيناهم يزيدون علينا رجلا واحدا. وقال في رواية أخرى : لقد قلّلوا في أعيننا حتى قلت لرجل إلى جنبي : تراهم سبعين؟ قال : أراهم مائة ، فأسرنا منهم رجلا فقلت : كم كنتم؟ قال : ألفا. وإن قلنا : إنّ الفئة الرّائية المشركون فإنهم استقلّوا المسلمين في حال ، فاجترؤوا عليهم ، واستكثروهم في حال ، فكان ذلك سبب خذلانهم ، وقد نقل أن المشركين لما أسروا يومئذ ، قالوا للمسلمين : كم كنتم؟ قالوا : كنا ثلاثمائة وثلاثة عشر. قالوا : ما كنّا نراكم إلا تضعفون علينا.
قوله تعالى : (وَاللهُ يُؤَيِّدُ) ، أي : يقوّي ، (إِنَّ فِي ذلِكَ) في الإشارة قولان : أحدهما : أنها
__________________
(١) الأنفال : ٤٤.