والقول الثاني : أن القنطار ليس بمحدود. وقال الرّبيع بن أنس (١) : القنطار : المال الكثير ، بعضه على بعض ، وروي عن أبي عبيدة أنه ذكر عن العرب أن القنطار وزن لا يحدّ ، وهذا اختيار ابن جرير الطّبريّ. قال ابن الأنباريّ قال بعض اللغويين القنطار العقدة الوثيقة المحكمة من المال.
وفي معنى المقنطرة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها المضعّفة ، قال ابن عباس : القناطير ثلاثة ، والمقنطرة تسعة ، وهذا قول الفرّاء. والثاني : أنها المكمّلة ، كما تقول : بدرة مبدّرة ، وألف مؤلّفة ، وهذا قول ابن قتيبة. والثالث : أنها المضروبة حتى صارت دنانير ودراهم ، قاله السّدّيّ.
في المسوّمة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها الرّاعية ، رواه العوفيّ عن ابن عباس ، وبه قال سعيد بن جبير ، ومجاهد في رواية ، والضّحّاك ، والسّدّيّ ، والرّبيع ، ومقاتل. قال ابن قتيبة : يقال : سامت الخيل ، وهي سائمة : إذا رعت ، وأسمتها وهي مسامة ، وسوّمتها ، فهي مسوّمة : إذا رعيتها ، والمسوّمة في غير هذا : المعلّمة في الحرب بالسّومة وبالسّيماء أي : بالعلامة. والثاني : أنها المعلّمة ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، واختاره الزّجّاج ، وعن الحسن كالقولين وفي معنى المعلّمة ثلاثة أقوال : أحدها : أنها معلّمة بالشّية ، وهو اللون الذي يخالف سائر لونها ، روي عن قتادة. والثاني : بالكيّ ، روي عن المؤرج. والثالث : أنها البلق ، قاله ابن كيسان. والثالث : أنها الحسان ، قاله عكرمة ، ومجاهد.
فأمّا الأنعام ، فقال ابن قتيبة : هي : الإبل ، والبقر ، والغنم ، واحدها نعم وهو جمع لا واحد له من لفظه. والمآب : المرجع. وهذه الأشياء المذكورة قد تحسن نيّة العبد بالتّلبس بها ، فيثاب عليها ، وإنما يتوجّه الذّم إلى سوء القصد فيها.
(قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥))
قوله تعالى : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) ، روى عطاء بن السّائب عن أبي بكر بن حفص قال : لما نزلت (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ) قال عمر : يا ربّ الآن حين زيّنتها؟! فنزلت : (قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ) ووجه الآية أنه خبّر أنّ ما عنده خير ممّا في الدنيا ، وإن كان محبوبا ، ليتركوا ما يحبون لما يرجون. فأما الرّضوان فقرأ عاصم ، إلا حفصا وأبان بن يزيد عنه ، برفع الراء في جميع القرآن ، واستثنى يحيى والعليميّ كسر الراء في المائدة في قوله تعالى : (مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ) (٢) ، وقراء الباقون بكسر الراء ، والكسر لغة قريش. قال الزّجّاج : يقال : رضيت الشيء أرضاه رضى ومرضاة ورضوانا ورضوانا ، (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ، يعلم من يؤثر ما عنده ممن يؤثر شهوات الدنيا ، فهو يجازيهم على أعمالهم.
__________________
(١) قال القرطبي رحمهالله ٤ / ٣٣ : وقال الربيع بن أنس : القنطار المال الكثير بعضه على بعض ، وهذا المعروف عند العرب ومنه قوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) أي مالا كثيرا. ومنه الحديث ـ الأثر ـ «إن صفوان بن أمية قنطر في الجاهلية وقنطر أبوه») أي صار له قنطار من المال.
(٢) المائدة : ١٦.