(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧))
قوله تعالى : (الصَّابِرِينَ) أي : على طاعة الله عزوجل ، وعن محارمه (وَالصَّادِقِينَ) في عقائدهم وأقوالهم (وَالْقانِتِينَ) بمعنى المطيعين لله (وَالْمُنْفِقِينَ) في طاعته. وقال ابن قتيبة يعني : بالنّفقة الصّدقة. وفي معنى استغفارهم قولان : أحدهما : أنه الاستغفار المعروف باللسان ، قاله ابن مسعود ، والحسن في آخرين. والثاني : أنه الصّلاة. قاله مجاهد ، وقتادة ، والضّحّاك ومقاتل في آخرين. فعلى هذا إنما سمّيت الصلاة استغفارا ، لأنهم طلبوا بها المغفرة. فأما السّحر ، فقال إبراهيم بن السّريّ : السّحر : الوقت الذي قبل طلوع الفجر ، وهو أول إدبار الليل إلى طلوع الفجر ، فوصفهم الله بهذه الطاعات ، ثم وصفهم بأنهم لشدّة خوفهم يستغفرون.
(شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))
قوله تعالى : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
(١٦٠) سبب نزول هذه الآية أن حبرين من أحبار الشّام قدما النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فلما أبصرا المدينة ، قال أحدهما لصاحبه : ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبيّ الذي يخرج في آخر الزمان ، فلما دخلا على النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، عرفاه بالصّفة ، فقالا : أنت محمّد؟ قال : «نعم». قالا : وأحمد؟ قال : «نعم». قالا : نسألك عن شهادة ، فإن أخبرتنا بها ، آمنّا بك ، فقال : «سلاني». فقالا أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله ، فنزلت هذه الآية ، فأسلما ، قاله ابن السّائب.
وقال غيره : هذه الآية ردّ على نصارى نجران فيما ادّعوا في عيسى عليهالسلام ، وقد سبق ذكر خبرهم في أوّل السّورة. وقال سعيد بن جبير : كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما ، وكان لكل حيّ من العرب صنم أو صنمان ، فلما نزلت هذه الآية ، خرّت الأصنام سجّدا. وفي معنى (شَهِدَ اللهُ) قولان : أحدهما : أنه بمعنى قضى وحكم ، قاله مجاهد والفرّاء وأبو عبيدة. والثاني : بمعنى بيّن ، قاله ثعلب والزّجّاج. قال ابن كيسان : شهد الله بتدبيره العجيب ، وأموره المحكمة عند خلقه ، أنه لا إله إلا هو. وسئل بعض الأعراب : ما الدليل على وجود الصّانع؟ فقال : إن البعرة تدلّ على البعير ، وآثار القدم تدلّ على المسير ، فهيكل علويّ بهذه اللطافة ، ومركز سفليّ بهذه الكثافة ، أما يدلّان على الصّانع الخبير؟! وقرأ ابن مسعود وأبيّ بن كعب وعاصم الجحدريّ (شهداء الله) بضمّ «الشين» وفتح «الهاء والدال» وبهمزة مرفوعة بعد المدّ ، وخفض «الهاء» من اسم الله تعالى. (قائِماً بِالْقِسْطِ) أي بالعدل. قال جعفر الصّادق : وإنما كرّر (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) لأن الأولى وصف وتوحيد ، والثانية رسم وتعليم ، أي قولوا : لا إله إلا هو.
____________________________________
(١٦٠) لا أصل له. ذكره الواحدي في «أسبابه» ١٩٣ عن الكلبي وهو محمد بن السائب ، وتقدم أنه يضع الحديث.