(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) الجمهور على كسر «إن» إلا الكسائيّ ، فإنه فتح «الألف» ، وهي قراءة ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبي رزين ، وأبي العالية ، وقتادة. قال أبو سليمان الدّمشقيّ : لما ادّعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهوديّة ، وادّعت النّصارى أنه لا دين أفضل من النّصرانية ، نزلت هذه الآية. قال الزّجّاج : الدّين : اسم لجميع ما تعبّد الله به خلقه ، وأمرهم بالإقامة عليه ، وأن يكون عادتهم ، وبه يجزيهم. وقال شيخنا عليّ بن عبيد الله : الدّين : ما التزمه العبد لله عزوجل. قال ابن قتيبة : والإسلام الدّخول في السّلم ، أي : في الانقياد والمتابعة ، ومثله الاستسلام ، يقال : سلّم فلان لأمرك ، واستسلم ، وأسلم ، كما تقول : أشتى الرجل ، أي : دخل في الشّتاء ، وأربع : دخل في الرّبيع. وفي الذين أوتوا الكتاب ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم اليهود ، قاله الرّبيع. والثاني : أنهم النّصارى ، قاله محمّد بن جعفر بن الزّبير. والثالث : أنهم اليهود ، والنّصارى ، قاله ابن السّائب. وقيل : الكتاب هاهنا : اسم جنس بمعنى الكتاب. وفي الذين اختلفوا فيه أربعة أقوال : أحدها : دينهم. والثاني : أمر عيسى. والثالث : دين الإسلام ، وقد عرفوا صحّته. والرابع : نبوة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، وقد عرفوا صفته. قوله تعالى : (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) أي : الإيضاح لما اختلفوا فيه (بَغْياً بَيْنَهُمْ) قال الزّجّاج : معناه : اختلفوا للبغي ، لا لقصد البرهان ، وقد ذكرنا في «البقرة» معنى : سريع الحساب.
(فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٢٠))
قوله تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) أي : جادلوك ، وخاصموك. قال مقاتل : يعني اليهود ، قال ابن جرير : يعني نصارى نجران في أمر عيسى ، وقال غيرهما : اليهود والنّصارى. (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ) قال الفرّاء : معناه : أخلصت عملي ، وقال الزّجّاج : قصدت بعبادتي إلى الله.
قوله تعالى : (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) أثبت الياء في الوصل دون الوقف أهل المدينة والبصرة ، وابن شنبوذ عن قنبل ، ووقف ابن شنبوذ ويعقوب بياء. قال الزّجّاج : والأحبّ إليّ اتّباع المصحف. وما حذف من الياءات في مثل قوله تعالى : (وَمَنِ اتَّبَعَنِ) و (لَئِنْ أَخَّرْتَنِ) و (رَبِّي أَكْرَمَنِ) و (رَبِّي أَهانَنِ). فهو على ضربين : أحدهما : ما كان مع النون ، فإن كان رأس آية ، فأهل اللغة يجيزون حذف الياء ، ويسمّون أواخر الآي الفواصل ، كما أجازوا ذلك في الشعر. قال الأعشى :
ومن شانئ كاسف باله |
|
إذا ما انتسبت له أنكرن (١) |
وهل يمنعني ارتيادي البلا |
|
د من حذر الموت أن يأتين |
فأمّا إذا لم يكن آخر آية أو قافية ، فالأكثر إثبات الياء ، وحذفها جيد أيضا ، خاصة مع النّونات ، لأن أصل «اتبعني» «اتبعي» ولكن «النون» زيدت لتسلم فتحة العين ، فالكسرة مع النون تنوب عن الياء ،
__________________
(١) الشانئ : المبغض. كاسف الوجه : عابسه من سوء الحال. والكسوف في الوجه : الصفرة والتغير.