فأما إذا لم تكن النون ، نحو غلامي وصاحبي ، فالأجود إثباتها ، وحذفها عند عدم النون جائز على قلّته ، تقول : هذا غلام ، قد جاء غلامي ، وغلامي. بفتح الياء وإسكانها ، فجاز الحذف ، لأنّ الكسرة تدلّ عليها. قوله تعالى : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يريد اليهود والنّصارى (وَالْأُمِّيِّينَ) بمعنى مشركي العرب ، وقد سبق في البقرة شرح هذا الاسم. قوله تعالى : (أَأَسْلَمْتُمْ) قال الفرّاء : هو استفهام ومعناه الأمر ، كقوله تعالى : (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (١).
فصل : اختلف علماء النّاسخ والمنسوخ في هذه الآية ، فذهبت طائفة إلى أنها محكمة ، وأن المراد بها تسكين نفس النبيّ صلىاللهعليهوسلم عند امتناع من لم يجبه ، لأنه كان يحرص على إيمانهم ، ويتألّم من تركهم الإجابة. وذهبت طائفة إلى أن المراد بها الاقتصار على التّبليغ ، وهذا منسوخ بآية السيف.
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٢))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) قال أبو سليمان الدّمشقيّ : عنى بذلك اليهود والنّصارى. قال ابن عباس : والمراد بآيات الله محمّد والقرآن. وقد تقدّم في «البقرة» شرح قتلهم الأنبياء ، والقسط ، والعدل. وقرأ الجمهور (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ) وقرأ حمزة «ويقاتلون» بألف. وروى أبو عبيدة بن الجرّاح عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
(١٦١) «قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبيّا من أوّل النهار في ساعة واحدة ، فقام مائة واثنا عشر رجلا من عبّاد بني إسرائيل ، فأمروا من قتلهم بالمعروف ، ونهوهم عن المنكر ، فقتلوا جميعا في آخر النهار» فهم الذين ذكرهم الله في كتابه وأنزل الآية فيهم ، وإنما وبخ بهذا الذين كانوا في زمن النّبيّ عليهالسلام لأنهم تولّوا أولئك ، ورضوا بفعلهم. (فَبَشِّرْهُمْ) بمعنى : أخبرهم ، وقد تقدّم شرحه في «البقرة». ومعنى (حَبِطَتْ) : بطلت.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣))
____________________________________
(١٦١) أخرجه الطبري ٦٧٧٧ وإسناده ضعيف. لضعف محمد بن حفص الحمصي ، ضعفه ابن مندة كما في «الميزان». وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ١ / ٣٦٣ والبزار ٣٣١٤ «كشف» ومداره على أبي الحسن مولى بني أسد ، وهو مجهول كما قال الحافظ في «تخريج الكشاف» ١ / ٣٤٨ وفيه أيضا محمد بن حمير لين الحديث. وقال الهيثمي في «المجمع» ١٢١٦٦ : فيه من لم أعرفه اثنان اه. وفي الباب من حديث ابن عباس وفيه «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة من قتل نبيا أو قتله نبي .....» أخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٨٨٨. وإسناده واه ، فيه محمد بن حميد الرازي ، وهو ضعيف متروك.
__________________
(١) المائدة : ٩١.