قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) في سبب نزولها أربعة أقوال :
(١٦٢) أحدها : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم دخل بيت المدراس على جماعة من اليهود ، فدعاهم إلى الله فقال رجلان منهم : على أيّ دين أنت؟ فقال : على ملة إبراهيم. قالا : فإنّه كان يهوديا. قال : فهلمّوا إلى التّوراة ، فأبيا عليه ، فنزلت هذه الآية. رواه سعيد بن جبير ، عن ابن عباس.
(١٦٣) والثاني : أنّ رجلا وامرأة من اليهود زنيا ، فكرهوا رجمهما لشرفهما ، فرفعوا أمرهما إلى النّبيّ عليهالسلام رجاء أن يكون عنده رخصة ، فحكم عليهما بالرّجم ، فقالوا : جرت علينا يا محمّد ، ليس علينا الرّجم. فقال : بيني وبينكم التّوراة ، فجاء ابن صوريا ، فقرأ من التّوراة ، فلمّا أتى على آية الرّجم ، وضع كفّه عليها ، وقرأ ما بعدها ، فقال ابن سلام : قد جاوزها ، ثم قام ، فقرأها ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم باليهوديّين ، فرجما ، فغضب اليهود. فنزلت هذه الآية. رواه أبو صالح عن ابن عباس.
(١٦٤) والثالث : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم دعا اليهود إلى الإسلام ، فقال نعمان بن أبي أوفى : هلمّ نحاكمك إلى الأحبار. فقال : بل إلى كتاب الله ، فقال : بل إلى الأحبار ، فنزلت هذه الآية ، قاله السّدّيّ.
(١٦٥) والرابع : أنّها نزلت في جماعة من اليهود ، دعاهم النبيّ إلى الإسلام ، فقالوا : نحن أحقّ بالهدى منك ، وما أرسل الله نبيّا إلّا من بني إسرائيل. قال : فأخرجوا التّوراة ، فإنّي مكتوب فيها أنّي نبيّ ، فأبوا ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل بن سليمان.
فأما التفسير ، فالنّصيب الذي أوتوه : العلم الذي علموه من التّوراة. وفي الكتاب الذي دعوا إليه قولان : أحدهما : أنه التّوراة ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وهو قول الأكثرين. والثاني : أنه القرآن ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو قول الحسن وقتادة. وفي الذي أريد أن يحكم الكتاب بينهم فيه أربعة أقوال : أحدها : ملّة إبراهيم. والثاني : حدّ الزّنى. رويا عن ابن عباس. والثالث : صحّة دين الإسلام ، قاله السّدّيّ. والرابع : صحّة نبوّة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، قاله مقاتل. فإن قيل : التّولّي هو الإعراض ، فما فائدة تكريره؟ فالجواب من أربعة أوجه : أحدها : التأكيد. والثاني : أن يكون المعنى : يتولّون عن الدّاعي ، ويعرضون عمّا دعا إليه. والثالث : يتولّون بأبدانهم ، ويعرضون عن الحق بقلوبهم. والرابع : أن يكون الذين تولّوا علماءهم ، والذين أعرضوا أتباعهم ، قاله ابن الأنباريّ.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤))
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا) يعني : الذي حملهم على التّولي والإعراض أنهم قالوا : (لَنْ
____________________________________
(١٦٢) ضعيف. أخرجه ابن أبي حاتم وابن المنذر كما في «الدر» ١ / ٢٤ والطبري ٦٧٧٨٠ عن ابن عباس. وفيه محمد بن أبي محمد. قال الذهبي : في «الميزان» لا يعرف. وانظر «تفسير القرطبي» ١٦٣٩ بتخريجنا.
(١٦٣) عزاه المصنف ، وكذا البغوي في «تفسيره» ٣٧٣ للكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وهذا إسناد ساقط ، ومر في المقدمة. وأصل هذا الخبر صحيح دون ذكر نزول الآية ، وسيأتي في بحث التراجم.
(١٦٤) عزاه المصنف للسدي ، وهذا مرسل ، ولم أقف على إسناده فهذا خبر لا حجة فيه.
ـ وكذا الواحدي في «الأسباب» ١٩٤ للسدي بدون إسناد.
(١٦٥) عزاه المصنف لمقاتل بن سليمان ، وهو متروك كذاب.
ـ ولم يصح في سبب نزول هذه الآية شيء ، إلّا أنه لا ريب أن المراد بالآية اليهود.