الضّحّاك عن ابن عباس. والثالث : أنه مسح بالبركة ، قاله الحسن ، وسعيد. والرابع : أن معنى المسيح : الصّدّيق ؛ قاله مجاهد ، وإبراهيم النّخعيّ ، وذكره اليزيديّ. قال أبو سليمان الدّمشقيّ : ومعنى هذا أن الله مسحه ، فطهّره من الذنوب. والخامس : أنه كان يمسح الأرض أي : يقطعها ، ذكره ثعلب. وبيانه : أنه كان كثير السياحة. والسادس : أنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن ، قاله أبو سليمان الدمشقي ، وحكاه ابن القاسم. وقال أبو عبيد : المسيح في كلام العرب على معنيين : أحدهما : المسيح الدّجّال ، والأصل فيه : الممسوح ، لأنه ممسوح أحد العينين. والمسيح عيسى ، وأصله بالعبرانية «مشيحا» بالشين ، فلما عرّبته العرب ، أبدلت من شينه سينا ، كما قالوا : موسى ، وأصله بالعبرانية موشى. قال ابن الأنباريّ : وإنما بدأ بلقبه ، فقال : المسيح عيسى ابن مريم ، لأن المسيح أشهر من عيسى ، لأنه قلّ أن يقع على سميّ يشتبه به ، وعيسى قد يقع على عدد كثير ، فقدّمه لشهرته ، ألا ترى أن ألقاب الخلفاء أشهر من أسمائهم. فأما قوله : عيسى ابن مريم ، فإنما نسبه إلى أمّه لينفي ما قاله عنه الملحدون من النّصارى ، إذ أضافوه إلى الله تعالى.
قوله تعالى : (وَجِيهاً) قال ابن زيد : الوجيه في كلام العرب : المحبّب المقبول. وقال ابن قتيبة : الوجيه : ذو الجاه. وقال الزجّاج : هو ذو المنزلة الرّفيعة عند ذوي القدر والمعرفة ، يقال : قد وجه الرجل يوجه وجاهة ، ولفلان جاه عند الناس ، أي : منزلة رفيعة. قوله تعالى : (وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) قال قتادة : عند الله يوم القيامة. والمهد : مضجع الصّبيّ في رضاعه ، وهو مأخوذ من التّمهيد ، وهو التّوطئة. وفي تكليمه للناس في تلك الحال قولان : أحدهما : لتبرئة أمّه مما قذفت به. والثاني : لتحقيق معجزته الدّالة على نبوّته. قال ابن عباس : تكلم ساعة في مهده ، ثم لم يتكلم حتى بلغ مبلغ النّطق. (وَكَهْلاً) قال : ابن ثلاثين سنة أرسله الله تعالى ، فمكث في رسالته ثلاثين شهرا ، ثم رفعه الله. وقال وهب بن منبّه : جاءه الوحي على رأس ثلاثين سنة ؛ فمكث في نبوته ثلاث سنين ، ثم رفعه الله. وقال ابن الأنباريّ : كان عليهالسلام قد زاد على الثلاثين ، ومن أربى عليها ، فقد دخل في الكهولة. والكهل عند العرب : الذي قد جاوز الثلاثين ، وإنما سمّي الكهل كهلا ، لاجتماع قوته ، وكمال شبابه ، وهو من قولهم : قد اكتهل النّبات. وقال ابن فارس : الكهل : الرجل حين وخطه الشّيب. فإن قيل : فقد علم أن الكهل يتكلّم ، فعنه ثلاثة أجوبة : أحدها : أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة بطول عمره ، أي : أنه يبلغ الكهولة ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : (وَكَهْلاً) قال : ذلك بعد نزوله من السماء. والثاني : أنه أخبرهم أن الزمان يؤثّر فيه ، وأن الأيام تنقله من حال إلى حال ، ولو كان إلها لم يدخل عليه هذا التّغير ، ذكره ابن جرير الطّبريّ. والثالث : أن المراد بالكهل : الحليم ، قاله مجاهد.
(قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧))
قوله تعالى : (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ) في علّة قولها هذا قولان : أحدهما : أنها قالت هذا تعجّبا واستفهاما ، لا شكّا وإنكارا ، على ما أشرنا إليه في قصة زكريّا ، وعلى هذا الجمهور. والثاني : أن الذي خاطبها كان جبريل ، وكانت تظنّه آدميا يريد بها سوءا ، ولهذا قالت : (أَعُوذُ بِالرَّحْمنِ مِنْكَ) فلما بشّرها