قال شيخنا عليّ بن عبيد الله : هذه الآية وردت بلفظ العموم ، والمراد بها الخصوص ، لأنها آذنت بأن الكافر حين إنذاره لا يؤمن ، وقد آمن كثير من الكفار عند إنذارهم ، ولو كانت على ظاهرها في العموم ، لكان خبر الله لهم خلاف مخبره ، ولذلك وجب نقلها إلى الخصوص.
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٧))
قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، الختم : الطّبع ، والقلب : قطعة من دم جامدة سوداء ، وهو مستكنّ في الفؤاد ، وهو بيت النّفس ، ومسكن العقل ، وسمّي قلبا لتقلّبه. وقيل : لأنه خالص البدن ، وإما خصّه بالختم لأنه محلّ الفهم.
قوله تعالى : (وَعَلى سَمْعِهِمْ) ، يريد : على أسماعهم ، فذكره بلفظ التوحيد ، ومعناه : الجمع ، ونظيره قوله تعالى : (ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) (١). وأنشدوا من ذلك :
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا |
|
فإنّ زمانكم زمن خميص |
أي : في أنصاف بطونكم. ذكر هذا القول أبو عبيدة ، والزّجّاج. وفيه وجه آخر ، وهو أن العرب تذهب بالسمع مذهب المصدر ، والمصدر يوحّد ، تقول : يعجبني حديثكم ، ويعجبني ضربكم. فأما البصر والقلب فهما اسمان لا يجريان مجرى المصادر في مثل هذا المعنى. ذكره الزّجّاج ، وابن القاسم.
وقد قرأ عمرو بن العاص ، وابن أبي عبلة : (وعلى أسماعهم).
قوله تعالى : (وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) ، الغشاوة : الغطاء. قال الفرّاء : أما قريش وعامّة العرب ، فيكسرون الغين من «غشاوة» ، وعكل يضمّون الغين ، وبعض العرب يفتحها ، وأظنها لربيعة. وروى المفضّل عن عاصم (غِشاوَةٌ) بالنصب على تقدير : وجعل على أبصارهم غشاوة. فأما العذاب ، فهو الألم المستمر ، وماء عذب : إذا استمرّ في الحلق سائغا.
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨))
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) اختلفوا فيمن نزلت على قولين : أحدهما : أنها في المنافقين ، ذكره السّدّيّ عن ابن مسعود ، وابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، وقتادة ، وابن زيد (٢). والثاني : أنها في منافقي أهل الكتاب. رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال ابن سيرين : كانوا يتخوّفون من هذه الآية. وقال قتادة : هذه الآية نعت المنافق ، يعرف بلسانه ، وينكر بقلبه ، ويصدّق بلسانه ، ويخالف بعمله ، ويصبح على حال ، ويمسي على غيرها ، ويتكفّأ تكفّؤ السّفينة ، كلما هبّت ريح هبّ معها.
(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩))
قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ). قال ابن عباس : كان عبد الله بن أبيّ ، ومعتّب بن قشير ، والجدّ بن
__________________
(١) الحج : ٥.
(٢) هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري ، مولاهم المدني أخو عبد الله وأسامة. قال البخاري : عبد الرحمن ضعفه عليّ جدّا ، وقال النسائي : ضعيف. وقال أحمد : عبد الله ثقة والآخران ضعيفان. كما في الميزان.