ابن عباس ، وهو قول مجاهد ، وقتادة ، والضّحّاك ، والسّدّيّ في آخرين. والثالث : أنه زائدتا الكبد ، والكليتان ، والشّحم إلا ما على الظّهر ، قاله عكرمة.
وفي سبب تحريمه لذلك أربعة أقوال :
(١٩٦) أحدها : أنه طال به مرض شديد ، فنذر : لئن شفاه الله ، ليحرّمنّ أحبّ الطعام والشّراب إليه ، روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
والثاني : أنه اشتكى عرق النّسا فحرّم العروق ، قاله ابن عباس في آخرين. والثالث : أن الأطباء وصفوا له حين أصابه «النّسا» اجتناب ما حرّمه ، فحرّمه ، رواه الضّحّاك عن ابن عباس. والرابع : أنه كان إذا أكل ذلك الطعام ، أصابه عرق النّسا فيبيت وقيدا (١) ، فحرّمه ، قاله أبو سليمان الدّمشقيّ. واختلفوا : هل حرّم ذلك بإذن الله ، أم باجتهاده؟ على قولين. واختلفوا : بما ذا ثبت تحريم الطعام الذي حرّمه على اليهود ، على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه حرّم عليهم بتحريمه ، ولم يكن محرّما في التّوراة ، قاله عطيّة. وقال ابن عباس : قال يعقوب : لئن عافاني الله لا يأكله لي ولد. والثاني : أنهم وافقوا أباهم يعقوب في تحريمه ، لا أنه حرّم عليهم بالشّرع ، ثم أضافوا تحريمه إلى الله ، فأكذبهم الله بقوله : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) ، هذا قول الضّحّاك. والثالث : أن الله حرّمه عليهم بعد التوراة لا فيها. وكانوا إذا أصابوا ذنبا عظيما ، حرّم عليهم به طعام طيّب ، أو صبّ عليهم عذاب ، هذا قول ابن السّائب. قال ابن عباس : (فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها) هل تجدون فيها تحريم لحوم الإبل وألبانها!.
(فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩٤))
قوله تعالى : (فَمَنِ افْتَرى) يقول : اختلق (عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي : من بعد البيان في كتابهم ، وقيل : من بعد مجيئكم بالتّوراة وتلاوتكم.
(قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٩٥))
قوله تعالى : (قُلْ صَدَقَ اللهُ) الصّدق : الإخبار بالشيء على ما هو به ، وضدّه الكذب. واختلفوا أيّ خبر عنى بهذه الآية؟ على قولين :
أحدهما : أنه عني قوله تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا) ، قاله مقاتل ، وأبو سليمان الدّمشقيّ.
والثاني : أنه عنى قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا) قاله ابن السّائب.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ (٩٦))
____________________________________
(١٩٦) حسن. أخرجه الترمذي ٣١٧ والنسائي في «الكبرى» ٩٠٧٢ وأحمد ١ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤ من حديث ابن عباس. وفيه عبد الله بن الوليد. لينه الحافظ. وتوبع ، فقد أخرجه الطبري ٧٤١٨ من وجه آخر بإسناد لا بأس به عن ابن عباس مرفوعا ، فالحديث حسن إن شاء الله. وقد حسنه الترمذي عن ابن عباس «أن اليهود قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : فأخبرنا ما حرم إسرائيل على نفسه؟ قال : كان يسكن البدو ، فاشتكى عرق النسا ، فلم يجد شيئا يلائمه إلا تحريم الإبل وألبانها ، فلذلك حرّمها» ، انظر «تفسير الشوكاني» ٥٢٣ بتخريجنا.
__________________
(١) في «اللسان» : الوقيذ الشديد المرض ، الذي قد أشرف على الموت.