أحدهما : أنه إطلاع الله نبيّه على كذبهم ، قاله ابن عبّاس.
والثاني : أنه إسرارهم بأنفسهم بكفرهم ، قاله ابن زيد.
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠))
قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، المرض هاهنا : الشّك ، قاله عكرمة ، وقتادة. (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) هذا الإخبار من الله عزوجل أنه فعل بهم ذلك ، و «الأليم» بمعنى المؤلم ، والجمهور يقرءون «يكذّبون» بالتشديد ، وقرأ الكوفيون سوى أبان عن عاصم بالتخفيف مع فتح الياء.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١))
قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) اختلفوا فيمن نزلت على قولين :
أحدهما : أنها نزلت في المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو قول الجمهور ، منهم ابن عباس ، ومجاهد.
والثاني : أن المراد بها قوم لم يكونوا خلقوا حين نزولها ، قاله سلمان الفارسيّ. وكان الكسائيّ يقرأ بضم القاف من «قيل» والحاء من «حيل» والغين من «غيض» ، والجيم من «جيء» ، والسين من «سيئ» و «سيئت». وكان ابن عامر يضم من ذلك ثلاثة : «حيل» و «سيق» و «سيئ». وكان نافع يضم «سيئ» و «سيئت» ، ويكسر البواقي ، والآخرون يكسرون جميع ذلك. وقال الفرّاء : أهل الحجاز من قريش ومن جاورهم من بني كنانة يكسرون القاف في «قيل» و «جيء» و «غيض» ، وكثير من عقيل ومن جاورهم وعامة أسد ، يشمّون إلى الضمة من «قيل» و «جيء».
وفي المراد بالفساد ها هنا خمسة أقوال : أحدها : أنه الكفر ، قاله ابن عباس. والثاني : العمل بالمعاصي ، قاله أبو العالية ، ومقاتل. والثالث : أنه الكفر والمعاصي ، قاله السّدّيّ عن أشياخه. والرابع : أنه ترك امتثال الأوامر ، واجتناب النواهي ، قاله مجاهد. والخامس : أنه النفاق الذي صادفوا به الكفار ، وأطلعوهم على أسرار المؤمنين ، ذكره شيخنا عليّ بن عبيد الله.
قوله تعالى : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ، فيه خمسة أقوال : أحدها : أن معناه إنكار ما عرفوا به ، وتقديره : ما فعلنا شيئا يوجب الفساد. والثاني : أن معناه : إنا نقصد الإصلاح بين المسلمين والكافرين ، والقولان عن ابن عباس. والثالث : أنهم أرادوا : في مصافاة الكفار صلاح لا فساد ، قاله مجاهد وقتادة. والرابع : أنهم أرادوا أن فعلنا هذا هو الصلاح ، وتصديق محمّد هو الفساد ، قاله السّدّيّ. والخامس : أنهم ظنّوا أن مصافاة الكفار صلاح في الدنيا لا في الدين ، لأنهم اعتقدوا أن الدّولة (١) إن كانت للنبيّ صلىاللهعليهوسلم فقد أمنوه بمتابعته ، وإن كانت للكفار فقد أمنوهم بمصافاتهم ، ذكره شيخنا.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢))
قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) ، قال الزّجّاج : ألا : كلمة يبتدأ بها ، ينبّه بها المخاطب ،
__________________
(١) في «القاموس» الدّولة : انقلاب الزمان ، والغلبة.