والرابع : أنّ اليهود ، قالت : يا محمّد قد كنتم راضين بديننا ، فكيف بكم لو مات بعضكم قبل نزول كتابكم؟! فنزلت هذه الآية. هذا قول عمر مولى غفرة.
والخامس : أن قوما من المنافقين ادّعوا أنهم في إيمانهم مثل المؤمنين ، فأظهر الله نفاقهم يوم أحد ، وأنزل هذه الآية ، هذا قول أبي سليمان الدّمشقيّ.
وفي المخاطب بهذه الآية قولان : أحدهما : أنهم الكفّار والمنافقون ، وهو قول ابن عباس ، والضّحّاك. والثاني : أنهم المؤمنون ، فيكون المعنى : ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمن بالمنافق. قال الثّعلبيّ : وهذا قول أكثر أهل المعاني.
قوله تعالى : (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) قرأ ابن كثير ، ونافع وأبو عمرو ، وابن عامر (حَتَّى يَمِيزَ) و (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ) بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف ، ويعقوب : «يميّز» بالتشديد ، وكذلك في الأنفال : «ليميّز الله الخبيث». قال أبو عليّ : مزت وميّزت لغتان. قال ابن قتيبة : ومعنى يميز : يخلّص. فأمّا الطّيّب ، فهو المؤمن. وفي الخبيث قولان : أحدهما : أنه المنافق ، قاله مجاهد ، وابن جريج. والثاني : الكافر ، قاله قتادة ، والسّدّيّ.
وفي الذي وقع به التّمييز بينهم ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الهجرة والقتال ، قاله قتادة ، وهو قول من قال : الخبيث : الكافر. والثاني : أنه الجهاد ، وهو قول من قال : هو المنافق. قال مجاهد : فميّز الله يوم أحد بين المؤمنين والمنافقين ، حيث أظهروا النّفاق وتخلّفوا. والثالث : أنه جميع الفرائض والتّكاليف. فإن المؤمن مستور الحال بالإقرار ، فإذا جاءت التّكاليف بان أمره ، هذا قول ابن كيسان. وفي المخاطب بقوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) قولان : أحدهما : أنهم كفّار قريش ، فمعناه : ما كان الله ليبيّن لكم المؤمن من الكافر ، لأنهم طلبوا ذلك ، فقالوا : أخبرنا بمن يؤمن ومن لا يؤمن ، هذا قول ابن عباس. والثاني : أنه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فمعناه : وما كان الله ليطلع محمّدا على الغيب ، قاله السّدّيّ. و «يجتبي» بمعنى يختار ، قاله الزجّاج وغيره. فمعنى الكلام على القول الأول : أن الله لا يطلع على الغيب أحدا إلا الأنبياء الذين اجتباهم ، وعلى القول الثاني : أنّ الله لا يطلع على الغيب أحدا إلا أنه يجتبي من يشاء فيطلعه على ما يشاء.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))
قوله تعالى : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ) اختلفوا فيمن نزلت على قولين :
أحدهما : أنها نزلت في الذين يبخلون أن يؤدّوا زكاة أموالهم ، وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة ، وابن عباس في رواية أبي صالح ، والشّعبيّ ، ومجاهد ، وفي رواية السّدّيّ في آخرين.
والثاني : أنها في الأحبار الذين كتموا صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، ونبوّته ، رواه عطيّة عن ابن عباس ، وابن جريج عن مجاهد ، واختاره الزجّاج.
قال الفرّاء : ومعنى الكلام : لا يحسبنّ الباخلون البخل هو خيرا لهم ، فاكتفى بذكر «يبخلون» من البخل ، كما تقول : قدم فلان ، فسررت به ، أي : سررت بقدومه. قال الشاعر :