قوله تعالى : (فَنَبَذُوهُ) قال الزجّاج : أي : رموا به ، يقال للذي يطرح الشيء ولا يعبأ به : قد جعلت هذا الأمر بظهر. قال الفرزدق :
تميم بن قيس لا تكوننّ حاجتي |
|
بظهر ولا يعيا عليّ جوابها (١) |
معناه : لا تكوننّ حاجتي مهملة عندك ، مطّرحة.
وفي هاء «فنبذوه» قولان : أحدهما : أنها تعود إلى الميثاق. والثاني : إلى الكتاب.
قوله تعالى : (وَاشْتَرَوْا بِهِ) يعني : استبدلوا بما أخذ الله عليهم القيام به ، ووعدهم عليه الجنة (ثَمَناً قَلِيلاً) أي : عرضا يسيرا من الدنيا.
(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨))
قوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) وقرأ أهل الكوفة : لا تحسبنّ بالتاء. وفي سبب نزولها ثمانية أقوال (٢) :
(٢٤٨) أحدها : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، سأل اليهود عن شيء ، فكتموه ، وأخبروه بغيره ، وأروه أنهم قد أخبروه به ، واستحمدوا بذلك إليه ، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ، فنزلت هذه الآية.
والثاني : أنها نزلت في قوم من اليهود ، فرحوا بما يصيبون من الدنيا ، وأحبّوا أن يقول الناس : إنهم علماء ، وهذا القول والذي قبله عن ابن عباس. والثالث : أن اليهود قالوا : نحن على دين إبراهيم ، وكتموا ذكر محمّد صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير (٣). والرابع : أن يهود المدينة كتبت إلى يهود العراق واليمن ، ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلّها ، أنّ محمّدا ليس بنبيّ ، فاثبتوا على دينكم ، فاجتمعت كلمتهم على الكفر به ، ففرحوا بذلك ، وقالوا : نحن أهل الصّوم والصّلاة ، وأولياء
____________________________________
(٢٤٨) حديث صحيح لكن ليس فيه ذكر نزول الآية ، وإنما فيه أنهم المراد بهذه الآية ، فقد أخرجه البخاري ٤٥٦٨ ومسلم ٢٧٧٨ ح ٨ والترمذي ٣٠١٤ والنسائي في «التفسير» ١٠٦ والطبري ٨٣٤٩ والحاكم ٢ / ٢٩٩ والواحدي ٢٨١ من طرق أن مروان بن الحكم قال لبوابه : اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحبّ أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبنّ أجمعون. فقال ابن عباس : ما لكم ولهذه؟ إنما دعا النبي صلىاللهعليهوسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أتوا من كتمانهم ، ثم قرأ ابن عباس (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) كذلك حتى قوله (يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا). واللفظ للبخاري.
__________________
(١) في «اللسان» : رجل تكلّف عملا فيعيا به وعنه إذا لم يهتد لوجه عمله.
(٢) قال أبو جعفر الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٥٤٩ (آل عمران : ١٨٨) : وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال : «عني بذلك أهل الكتاب الذين أخبر الله عزوجل أنه أخذ ميثاقهم ليبينن للناس أمر محمد صلىاللهعليهوسلم ولا يكتمونه». لأن قوله : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) الآية ، في سياق الخبر عنهم وهو شبيه بقصتهم ، مع اتفاق أهل التأويل بأنهم معنيون بذلك.
(٣) أخرجه الطبري ٨٣٤٣ عن سعيد مرسلا.