عباس. والرابع : أحبّوا أن يحمدوا على قولهم : نحن على دين إبراهيم ، وليسوا عليه ، قاله سعيد بن جبير. والخامس : أحبّوا أن يحمدوا على قولهم : إنّا راضون بما جاء به النبيّ ، وليسوا كذلك ، قاله قتادة. وهذه أقوال من قال : هم اليهود. والسادس : أنّهم كانوا يحلفون للمسلمين ، إذا نصروا : إنا قد سررنا بنصركم ، وليسوا كذلك ، قاله أبو سعيد الخدريّ ، وهو قول من قال : هم المنافقون.
قوله تعالى : (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «فلا يحسبنهم» ، بالياء وضمّ الباء. وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ : بالتّاء ، وفتح الباء. قال الزجّاج : إنما كررت «تحسبنهم» لطول القصّة ، والعرب تعيد إذا طالت القصّة «حسبت» وما أشبهها ، إعلاما أنّ الذي يجري متّصل بالأوّل ، وتوكيدا له ، فتقول : لا تظنّنّ زيدا إذا جاء وكلّمك بكذا وكذا ، فلا تظنّنّه صادقا. قوله تعالى (بِمَفازَةٍ) قال ابن زيد ، وابن قتيبة : بمنجاة.
(وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩))
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فيه تكذيب القائلين : بأنه فقير. وفي قوله تعالى : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) تهديد لهم ، أي : لو شئت لعجّلت عذابهم.
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠))
قوله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في سبب نزولها ثلاثة أقوال :
(٢٥١) أحدها : أنّ قريشا قالوا لليهود : ما الذي جاءكم به موسى؟ قالوا : عصاه ويده البيضاء. وقالوا للنّصارى : ما الذي جاءكم به عيسى؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى. فأتوا النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : ادع ربّك يجعل لنا الصّفا ذهبا ، فنزلت هذه الآية ، رواه ابن جبير عن ابن عباس. والثاني : أن أهل مكّة سألوه أن يأتيهم بآية ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثالث : أنه لمّا نزل قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) (١) قالت قريش : قد سوّى بين آلهتنا ، ائتنا بآية ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو الضّحى ، واسمه : مسلم بن صبيح. فأما تفسير الآية فقد سبق.
(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١))
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً) في هذا الذّكر ثلاثة أقوال : أحدها : أنه الذّكر في
____________________________________
(٢٥١) ضعيف منكر ، أخرجه الطبراني ١٢٣٢٢ والواحدي في «الأسباب» ٢٨٤ عن ابن عباس به ، وإسناده ضعيف لضعف يحيى بن عبد الحميد الحماني ، وبه أعله الحافظ الهيثمي في «المجمع» ٦ / ٣٢٩ ، ثم المتن منكر.
وقال الحافظ في «الفتح» ٨ / ٢٣٥ : فيه إشكال أن هذه السورة مدنية وقريش من أهل مكة ويحتمل أن يكون سؤالهم لذلك بعد أن هاجر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ولا سيما في زمن الهدنة اه. وقال ابن كثير في «تفسيره» ١ / ٤٣٨ : وهذا مشكل فإن هذه الآية مدنية وسؤالهم أن يكون الصفا ذهبا كان بمكة ، والله أعلم.
__________________
(١) البقرة : ١٦٤.