إذا علم النبيّ والمؤمنون بنفاقهم ، قاله مجاهد والسّدّيّ. والثالث : أنه ما يخافونه من الدعاء إلى الجهاد ، وقتال من يبطنون مودّته ، ذكره شيخنا.
واختلفوا : ما الذي يشبه البرق من أحوالهم على ثلاثة أقوال : أحدها : أنه ما يتبيّن لهم من مواعظ القرآن وحكمه. والثاني : أنه ما يضيء لهم من نور إسلامهم الذي يظهرونه. والثالث : أنه مثل لما ينالونه بإظهار الإسلام من حقن دمائهم ، فإنه بالإضافة إلى ما ذخر لهم في الأجل كالبرق. واختلفوا في معنى قوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) ، على قولين : أحدهما : أنهم كانوا يفرّون من سماع القرآن لئلا يأمرهم بالجهاد مخافة الموت ، قاله الحسن والسّدّيّ. والثاني : أنه مثل لإعراضهم عن القرآن كراهية له ، قاله مقاتل. واختلفوا في معنى : (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) على أربعة أقوال : أحدها : أن معناه : كلما أتاهم القرآن بما يحبون تابعوه ، قاله ابن عبّاس والسّدّيّ. والثاني : أن إضاءة البرق حصول ما يرجونه من سلامة نفوسهم وأموالهم ، فيسرعون إلى متابعته ، قاله قتادة. والثالث : أن تكلّمهم بالإسلام ، ومشيهم فيه : اهتداؤهم به ، فإذا تركوا ذلك وقفوا في ضلالة ، قاله مقاتل. والرابع : أن إضاءته لهم : تركهم بلا ابتلاء ولا امتحان ، ومشيهم فيه : إقامتهم على المسالمة بإظهار ما يظهرونه. ذكره شيخنا.
فأمّا قوله تعالى : (وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ) ، فمن قال : إضاءته : إتيانه إياهم بما يحبون ، قال : إظلامه : إتيانه إياهم بما يكرهون. وعلى هذا سائر الأقوال التي ذكرناها بالعكس. ومعنى (قامُوا) : وقفوا. قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) ، قال مقاتل : معناه : لو شاء لأذهب أسماعهم وأبصارهم عقوبة لهم.
قال مجاهد : من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين ، وآيتان في نعت الكافرين ، وثلاث عشرة في نعت المنافقين.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ). اختلف العلماء فيمن عنى بهذا الخطاب على أربعة أقوال : أحدها : أنه عامّ في جميع الناس ، وهو قول ابن عباس. والثاني : أنه خطاب لليهود دون غيرهم ، قاله الحسن ومجاهد. والثالث : أنه خطاب للكفار من مشركي العرب وغيرهم ، قاله السّدّيّ.
والرابع : أنه خطاب للمنافقين واليهود ، قاله مقاتل.
و (النَّاسِ) اسم للحيوان الآدمي وسموا بذلك لتحرّكهم في مراداتهم. والنوس : الحركة. وقيل : سمّوا ناسا لما يعتريهم من النسيان. وفي المراد بالعبادة ها هنا قولان : أحدهما : التوحيد. والثاني : الطاعة ، رويا عن ابن عباس. والخلق : الإيجاد. وإنما ذكر من قبلهم ، لأنه أبلغ في التذكير ، وأقطع للجحد ، وأحوط في الحجّة. وقيل : إنما ذكر من قبلهم ، لينبّههم على الاعتبار بأحوالهم في إثابة مطيع ، ومعاقبة عاص.
وفي (لعل) قولان : أحدهما : أنها بمعنى كي ، وأنشدوا في ذلك :
وقلتم لنا كفّوا الحروب لعلّنا |
|
نكفّ ووثّقتم لنا كلّ موثق |
فلمّا كففنا الحرب كانت عهودكم |
|
كلمع سراب في الملا متألّق |