سورة المائدة
قال ابن عباس ، والضّحّاك : هي مدنيّة. وقال مقاتل : نزلت نهارا وكلّها مدنيّة. وقال أبو سليمان الدّمشقيّ : فيها من المكّي (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) قال : وقيل : فيها من المكّيّ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) والصّحيح أنّ قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) نزلت بعرفة يوم عرفة ، فلهذا نسبت إلى مكة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاَّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) اختلفوا في المخاطبين بهذا على قولين : أحدهما : أنهم المؤمنون من أمّتنا ، وهذا قول الجمهور. والثاني : أنهم أهل الكتاب ، قاله ابن جريج.
و (بِالْعُقُودِ) : العهود ، قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والضّحّاك والسّدّي والجماعة وقال الزجّاج : «العقود» : أوكد العهود. واختلفوا في المراد بالعهود هاهنا على خمسة أقوال (١) : أحدها : أنها عهود الله التي أخذها على عباده فيما أحلّ وحرّم ، وهذا قول ابن عباس ومجاهد. والثاني : أنها عهود الدّين كلّها ، قاله الحسن. والثالث : أنها عهود الجاهليّة ، وهي الحلف الذي كان بينهم ، قاله قتادة. والرابع : أنها العهود التي أخذها الله على أهل الكتاب من الإيمان بالنبيّ محمّد صلىاللهعليهوسلم ، قاله ابن جريج ، وقد ذكرنا عنه أن الخطاب للكتابيين. والخامس : أنها عقود الناس بينهم من بيع ونكاح ، أو عقد الإنسان على نفسه من نذر أو يمين ، وهذا قول ابن زيد (٢).
__________________
(١) قال الإمام الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٤ / ٣٨٨ : وأولى الأقوال عندنا بالصواب ، ما قاله ابن عباس ، وأن معناه : أوفوا ، يا أيها الذين آمنوا ، بعقود الله التي أوجبها عليكم ، وعقدها فيما أحلّ لكم وحرّم عليكم ، وألزمكم فرضه وبين لكم حدوده.
(٢) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٤٤٤ ـ ٤٤٥ : ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرّم ، كان حلّها محرّما ؛ لأن حلها بفعل المحرّم ، وهو محرّم وإن كانت على فعل مندوب ، أو ترك مكروه.
وإن كانت على فعل مباح ، فحلّها مباح. فإن قيل : فكيف يكون حلّها مباحا وقد قال الله تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها)؟ قلنا : هذا في الأيمان في العهود والمواثيق ، بدليل قوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) ، والعهد يجب الوفاء به بغير يمين ، فمع اليمين أولى ، فإن الله تعالى.
قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).
وإن كانت على فعل مكروه ، أو ترك مندوب ، فحلّها مندوب إليه ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا حلفت على يمين ، فرأيت غيرها خيرا منها ، فأت الذي هو خير ، وكفّر عن يمينك» وإن كانت اليمين على فعل محرّم ، أو ترك واجب فحلّها واجب ، لأن حلّها بفعل الواجب ، وفعل الواجب واجب.