قوله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) في بهيمة الأنعام ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أنها أجنّة الأنعام التي توجد ميتة في بطون أمّهاتها إذا ذبحت الأمّهات ، قاله ابن عمر ، وابن عباس. والثاني : أنها الإبل ، والبقر ، والغنم ، قاله الحسن ، وقتادة ، والسّدّي. وقال الرّبيع : هي الأنعام كلّها. وقال ابن قتيبة : هي الإبل ، والبقر ، والغنم ، والوحوش كلّها. والثالث : أنها وحش الأنعام كالظّباء ، وبقر الوحش ، روي عن ابن عباس ، وأبي صالح. وقال الفرّاء : بهيمة الأنعام : بقر الوحش ، والظّباء ، والحمر الوحشيّة. قال الزجّاج : وإنّما قيل لها بهيمة ، لأنها أبهمت عن أن تميّز ، وكلّ حيّ لا يميّز فهو بهيمة.
قوله تعالى : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) ، روي عن ابن عباس أنه قال : هي الميتة وسائر ما في القرآن تحريمه. وقال ابن الأنباريّ : المتلو علينا من المحظور الآية التي بعدها ، وهي قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ). قوله تعالى : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ) قال أبو الحسن الأخفش : أوفوا بالعقود غير محلّي الصّيد ، فانتصب على الحال. وقال غيره : المعنى : أحلّت لكم بهيمة الأنعام غير مستحلّي اصطيادها ، وأنتم حرم ، قال الزجّاج : الحرم : المحرمون ، وواحد الحرم : حرام ، يقال : رجل حرام ، وقوم حرم. قال الشاعر :
فقلت لها فيئي إليك فإنّني |
|
حرام وإنّي بعد ذاك لبيب (٢) |
أي : ملبّ. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) أي : الخلق له يحلّ ما يشاء لمن يشاء ، ويحرّم ما يريد على من يريد.
__________________
(١) فائدة : قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٣٠٨ ـ ٣١٠ : ما ملخصه : إذا خرج الجنين ميتا من بطن أمه بعد ذبحها ، أو وجد ميتا في بطنها ، أو كانت حركته بعد خروجه كحركة المذبوح ، فهو حلال روي هذا عن ابن عمر وعلي وبه قال ابن المسيب والنخعي والشافعي وإسحاق وابن المنذر. وقال ابن عمر : ذكاته ذكاة أمه إذا أشعر وروي ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد والزهري والحسن وقتادة ومالك والليث ، لأن عبد الله بن كعب بن مالك قال : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقولون : إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه. وهذا إشارة إلى جميعهم. فكان إجماعا. وقال أبو حنيفة : لا يحل إلا أن يخرج حيا فيذكى. قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا منهم خالف ما قالوا إلى أن جاء النعمان ، فقال : لا يحل لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين ، ولنا «ذكاة الجنين ذكاة أمه» ولأن هذا إجماع من الصحابة فمن بعدهم ، فلا يعول على ما خالفه ، ولأن الجنين متصل بها اتصال خلقه ، يتغذى بغذائها ، فتكون ذكاته ذكاتها ، كأعضائها ، ولأن الزكاة في الحيوان تختلف على حسب الإمكان فيه والقدرة ، بدليل الصيد الممتنع والمقدور عليه والمتردية ، والجنين لا يتوصل إلى ذبحه بأكثر من ذبح أمه ، فيكون ذكاة له. فصل : واستحب أبو عبد الله ـ الإمام أحمد بن حنبل ـ أن يذبحه وإن خرج ميتا ليخرج الدم الذي في جوفه. فصل : فإن خرج حيا حياة مستقرة ، يمكن أن يذكى ، فلم يذكه حتى مات فليس بذكي. قال أحمد : إن خرج حيا فلا بد من ذكاته لأنه نفس أخرى. قلت : وقال أبو يوسف ومحمد بقول الجمهور ، راجع «الهداية» ٩ / ٥٠٨ بتخريجي.
(٢) البيت للمضرب بن كعب بن زهير بن أبي سلمى كما في «مجاز القرآن» ١ / ١٤٥ و «شرح أدب الكاتب» للجواليقي ٤١١.