(وَالْمُنْخَنِقَةُ). والثاني : أنه يرجع إلى ما أكل السّبع خاصة ، والعلماء على الأوّل.
فصل في الذّكاة : قال الزجّاج : أصل الذّكاة في اللغة : تمام الشّيء ، فمنه الذّكاء في السّن ، وهو تمام السّن. قال الخليل : الذّكاء : أن تأتي على قروحه سنة ، وذلك تمام استكمال القوّة ، ومنه الذّكاء في الفهم ، وهو أن يكون فهما تامّا ، سريع القبول. وذكّيت النار ، أي : أتممت إشعالها. وقد روي عن عليّ ، وابن عباس ، والحسن ، وقتادة أنهم قالوا : ما أدركت ذكاته بأن توجد له عين تطرف ؛ أو ذنب يتحرّك ، فأكله حلال. قال القاضي أبو يعلى : ومذهب أصحابنا أنه إن كان يعيش مع ما به ، حلّ بالذّبح ، فإن كان لا يعيش مع ما به ، نظرت ، فإن لم تكن حياته مستقرّة ، وإنما حركته حركة المذبوح ، مثل أن شقّ جوفه ، وأبينت حشوته ، فانفصلت عنه ، لم يحلّ أكله ، وإن كانت حياته مستقرّة يعيش اليوم واليومين ، مثل أن يشقّ جوفه ، ولم تقطع الأمعاء ، حلّ أكله. ومن الناس من يقول : إذا كانت فيه حياة في الجملة أبيح بالذّكاة ، والصحيح ما ذكرنا ، لأنه إذا لم تكن فيه حياة مستقرّة ، فهو في حكم الميت. ألا ترى أنّ رجلا لو قطع حشوة آدميّ ، ثم ضرب عنقه آخر ، فالأوّل هو القاتل ، لأن الحياة لا تبقى مع الفعل الأول.
وفي ما يجب قطعه في الذّكاة روايتان (١) : إحداهما : أنه الحلقوم والمريء والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء ، فإن نقص من ذلك شيئا لم يؤكل ، هذا ظاهر كلام أحمد في رواية عبد الله. والثانية : يجزئ قطع الحلقوم والمريء ، وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل ، وبه قال الشّافعيّ ، وقال أبو حنيفة : يجزئ قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين. وقال مالك : يجزئ قطع الأوداج ، وإن لم يقطع الحلقوم. وقال الزجّاج : الحلقوم بعد الفم ، وهو موضع النّفس ، وفيه شعب تتشعّب منه في الرّئة.
__________________
روي ذلك عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة ، وبه قال مسروق والأسود والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق والشعبي والحكم وحماد والثوري وأبو حنيفة والشافعي وأبو ثور. وقال مالك : لا يجوز أكله إلا أن يذكّى. وهو قول ربيعة والليث. قال أحمد : لعل مالكا لم يسمع حديث رافع بن خديج اه باختصار.
(١) قال الإمام الموفق في «المغني» ١٣ / ٣٠٣ ـ ٣٠٨ : يعتبر قطع الحلقوم والمريء وبهذا قال الشافعي ، وعن أحمد رواية أخرى أنه يعتبر مع هذا قطع الودجين وبه قال مالك وأبو يوسف. وقال أبو حنيفة : يعتبر قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين ولا خلاف أن الأكمل قطع الأربعة : الحلقوم والمريء والودجين اه ملخصا. ويسنّ الذبح بسكين حادّ ، ويكره أن يسنّ السكين والحيوان يبصره ويكره أن يذبح شاة وأخرى تنظر إليه ، ويستحب أن يستقبل القبلة. وإذا ذبح فأتى على المقاتل ، فلم تخرج الروح حتى وقعت في الماء ، أو وطئ عليها شيء لم تؤكل. يعني وطئ عليها شيء يقتلها مثله غالبا. وقال أصحابنا المتأخرين : لا يحرم بذلك وهو قول أكثر الفقهاء ، لأنها إذا ذبحت فقد صارت في حكم الميت ، وكذلك لو أبين رأسها بعد الذّبح ، لم تحرم. وإذا ذبحها من قفاها ، وهو مخطئ ، فأتت السكين على موضع ذبحها ، وهي في الحياة أكلت. قال القاضي : معنى الخطأ أن تلتوي الذبيحة عليه ، فتأتي السكين على القفا ، لأنها مع التوائها معجوز عن ذبحها في محل ذبحها ، فسقط اعتبار المحل. وقد روي أن الفضل بن زياد قال : سألت أبا عبد الله عن من ذبح في القفا؟ قال : عامدا أو غير عامد؟ قلت : عامدا. قال : لا تؤكل ، فإذا كان غير عامد ، كأنه التوى عليه ، فلا بأس. ومن ذبحها من قفاها اختيارا. لا تؤكل. وقال القاضي : إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء ، حلّت وإلا فلا. وهذا مذهب الشافعي. وهذا أصح. لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحلّه. ولو ضرب عنقها بالسيف فأطار رأسها حلّت بذلك.