والمريء : مجرى الطّعام ، والودجان : عرقان يقطعهما الذّابح. فأما الآلة التي تجوز بها الذّكاة ، فهي كل ما أنهر الدّم ، وفرى الأوداج سوى السّنّ والظفر ، سواء كانا منزوعين أو غير منزوعين. وأجاز أبو حنيفة الذّكاة بالمنزوعين. فأما البعير إذا توحّش أو تردّى في بئر ، فهو بمنزلة الصّيد ذكاته عقره. وقال مالك : ذكاته ذكاة المقدور عليه. فإن رمى صيدا فأبان بعضه وفيه حياة مستقرّة فذكاه ، أو تركه حتى مات جاز أكله ، وفي أكل ما بان منه روايتان.
قوله تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) في النّصب قولان : أحدهما : أنها أصنام تنصب ، فتعبد من دون الله ، قاله ابن عباس ، والفرّاء ، والزجّاج ، فعلى هذا القول يكون المعنى ، وما ذبح على اسم النّصب ، وقيل لأجلها ، فتكون «على» بمعنى «اللام» ، وهما يتعاقبان في الكلام ، كقوله تعالى : (فَسَلامٌ لَكَ) (١) أي : عليك ، وقوله تعالى : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (٢). والثاني : أنها حجارة كانوا يذبحون عليها ، ويشرّحون اللحم عليها ويعظّمونها ، وهو قول ابن جريج.
وقرأ الحسن ، وخارجة عن أبي عمرو : على النّصب ، بفتح النون ، وسكون الصاد ، قال ابن قتيبة ، يقال : نصب ونصب ونصب ، وجمعه أنصاب.
قوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) قال ابن جرير : أي : وأن تطلبوا علم ما قسم لكم ، أو لم يقسم بالأزلام ، واستفعلت من القسم ، قسم الرزق والحاجات. قال ابن قتيبة : الأزلام : القداح ، واحدها : زلم وزلم. والاستقسام بها : أن يضرب بها فيعمل بما يخرج فيها من أمر أو نهي ، فكانوا إذا أرادوا أن يقتسموا شيئا بينهم ، فأحبّوا أن يعرفوا قسم كلّ امرئ تعرفوا ذلك منها ، فأخذ الاستقسام من القسم وهو النّصيب. قال سعيد بن جبير : الأزلام : حصىّ بيض ، كانوا إذا أرادوا غدوّا ، أو رواحا ، كتبوا في قدحين ، في أحدهما : أمرني ربّي ، وفي الآخر : نهاني ربّي ، ثم يضربون بهما ، فأيّهما خرج ، عملوا به. وقال مجاهد : الأزلام : سهام العرب ، وكعاب (٣) فارس التي يتقامرون بها. وقال السّدّي : كانت الأزلام تكون عند الكهنة. وقال مقاتل : في بيت الأصنام. وقال قوم : كانت عند سدنة الكعبة. قال الزجّاج : ولا فرق بين ذلك وبين قول المنجّمين : لا تخرج من أجل نجم كذا ، أو أخرج من أجل نجم كذا.
قوله تعالى : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) في المشار إليه بذلكم قولان : أحدهما : أنه جميع ما ذكر في الآية ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. وبه قال سعيد بن جبير. والثاني : أنه الاستقسام بالأزلام ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والفسق : الخروج عن طاعة الله إلى معصيته.
قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) في هذا «اليوم» ثلاثة أقوال :
أحدها : أنه اليوم الذي دخل فيه رسول الله مكّة في حجّة الوداع ، قاله أبو صالح عن ابن عباس (٤). وقال ابن السّائب : نزلت ذلك اليوم. والثاني : أنه يوم عرفة ، قاله مجاهد ، وابن زيد.
__________________
(١) سورة الواقعة : ٩١.
(٢) سورة الإسراء : ٧.
(٣) في اللسان الكعاب : فصوص النّرد. واللعب بها حرام.
(٤) لا يصح عن ابن عباس ، فهو من رواية أبي صالح ، وهو غير ثقة في ابن عباس ، وراوية أبي صالح هو محمد بن السائب الكلبي ، وهو ممن يضع الحديث.