الآية تحليل ولا تحريم ، قاله ابن عباس ، والسّدّي ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم شرائع دينكم. والثاني : أنه بنفي المشركين عن البيت ، فلم يحجّ معهم مشرك عامئذ ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة. وقال الشّعبيّ : كمال الدّين هاهنا : عزّه وظهوره ، وذلّ الشّرك ودروسه ، لا تكامل الفرائض والسّنن ، لأنّها لم تزل تنزل إلى أن قبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فعلى هذا يكون المعنى : اليوم أكملت لكم نصر دينكم. والثالث : أنه رفع النّسخ عنه. وأما الفرائض فلم تزل تنزل عليه حتى قبض ، روي عن ابن جبير أيضا. والرابع : أنه زوال الخوف من العدوّ ، والظّهور عليهم ، قاله الزجّاج. والخامس : أنه أمن هذه الشّريعة من أن تنسخ بأخرى بعدها ، كما نسخ بها ما تقدّمها. وفي إتمام النّعمة ثلاثة أقوال : أحدها : منع المشركين من الحجّ معهم ، قاله ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة. والثاني : الهداية إلى الإيمان ، قاله ابن زيد. والثالث : الإظهار على العدو ، قاله السّدّي.
قوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ) أي : دعته الضرورة إلى أكل ما حرّم عليه. (فِي مَخْمَصَةٍ) أي : مجاعة ، والخمص : الجوع. قال الشاعر يذمّ رجلا :
يرى الخمص تعذيبا وإن يلق شبعة |
|
يبت قلبه من قلّة الهمّ مبهما (١) |
وهذا الكلام يرجع إلى المحرّمات المتقدّمة من الميتة والدّم ، وما ذكر معهما.
قوله تعالى : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) قال ابن قتيبة : غير مائل إلى ذلك ، و «الجنف» : الميل. وقال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد : غير متعمّد لإثم. وفي معنى «تجانف الإثم» قولان :
أحدهما : أن يتناول منه بعد زوال الضّرورة ، روي عن ابن عباس في آخرين.
والثاني : أن يتعرّض لمعصية في مقصده ، قاله قتادة. وقال مجاهد : من بغى وخرج في معصية ، حرّم عليه أكله. قال القاضي أبو يعلى : وهذا أصحّ من القول الأول ، لأن الآية تقتضي اجتماع تجانف الإثم مع الاضطرار ، وذلك إنما يصحّ في سفر العاصي ، ولا يصحّ حمله على تناول الزّيادة على سدّ الرّمق ، لأنّ الاضطرار قد زال. قال أبو سليمان : ومعنى الآية : فمن اضطرّ فأكله غير متجانف لإثم ، فإن الله غفور ، أي : متجاوز عنه ، رحيم إذ أحلّ ذلك للمضطرّ.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤))
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) في سبب نزولها قولان :
(٣٩٨) أحدهما : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم لمّا أمر بقتل الكلاب ، قال الناس : يا رسول الله ما ذا أحلّ لنا من
____________________________________
(٣٩٨) ضعيف ، أخرجه الحاكم ٢ / ٣١١ والطبري ١١١٣٧ والطبراني ٩٧١ و ٩٧٢ والواحدي في «الأسباب» ٣٨٣ من حديث أبي رافع وإسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي ، وبه أعله الهيثمي في «المجمع» ٦٠٩٦ والوهن في هذا الحديث ذكر جبريل عليهالسلام ، أما الأمر بقتل الكلاب ونزول الآية ، فقد ورد من وجه آخر عن ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع ، ورجاله ثقات لكن
__________________
(١) البيت لحاتم الطائي كما في «الأغاني» ١٦ / ١٢٢.