هذه الأمّة التي أمرت بقتلها؟ فنزلت هذه الآية ، أخرجه أبو عبد الله الحاكم في صحيحه من حديث أبي رافع عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
(٣٩٩) وكان السبب في أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم بقتلها أنّ جبريل عليهالسلام استأذن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأذن له ، فلم يدخل وقال : «إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة» ، فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو.
(٤٠٠) والثاني : أنّ عديّ بن حاتم ، وزيد الخيل الذي سمّاه رسول الله : زيد الخير ، قالا : يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة (١) ، فمنه ما ندرك ذكاته ، ومنه ما لا ندرك ذكاته ، وقد حرّم الله الميتة ، فما ذا يحلّ لنا منها؟ فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير.
قال الزجّاج : ومعنى الكلام : يسألونك أيّ شيء أحلّ لهم؟ قل : أحلّ لكم الطّيبات ، وأحلّ لكم صيد ما علّمتم من الجوارح ، والتّأويل أنهم سألوا عنه ولكن حذف ذكر صيد ما علّمتم ، لأنّ في الكلام دليلا عليه. وفي الطّيبات قولان : أحدهما : أنها المباح من الذّبائح. والثاني : أنها ما استطابته العرب مما لم يحرّم. فأمّا (الْجَوارِحِ) فهي ما صيد به من سباع البهائم والطّير ، كالكلب ، والفهد ، والصّقر والبازي ، ونحو ذلك مما يقبل التّعليم (٢). قال ابن عباس : كلّ شيء صاد فهو جارح. وفي تسميتها بالجوارح قولان : أحدهما : لكسب أهلها بها. قال ابن قتيبة : أصل الاجتراح : الاكتساب ، يقال : امرأة لا جارح لها ، أي : لا كاسب. والثاني : لأنها تجرح ما تصيد في الغالب ، ذكره الماورديّ. قال أبو سليمان الدّمشقيّ : وعلامة التّعليم أنك إذا دعوته أجاب ، وإذا أسّدته على الصيد استأسد ، ومضى في طلبه ، وإذا أمسك أمسك عليك لا على نفسه. وعلامة إمساكه عليك : أن لا يأكل منه شيئا ، هذا في السّباع والكلاب (٣) ، فأمّا تعليم جوارح الطّير فبخلاف السّباع ، لأنّ الطائر إنما يعلّم الصيد بالأكل ،
____________________________________
فيه عنعنة ابن إسحاق ، وله شاهد من مرسل عكرمة أخرجه الطبري ١١١٣٨ ومن مرسل محمد بن كعب برقم ١١١٣٩ ، وقد صح لفظ «لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» فهذا أخرجه مسلم ٢١٠٥ ، وليس فيه ذكر الآية والأمر بقتل الكلاب ، وانظر «تفسير الشوكاني» ٧٦٩ و «أحكام القرآن» ٦٢١ بتخريجي.
(٣٩٩) هو بعض المتقدم ، وقوله «إنا لا ندخل بيتا فيه كلب أو صورة» دون باقي الخبر ، متفق عليه ، وسيأتي.
(٤٠٠) أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير كما في ابن كثير ٢ / ٢٢ ، وهو مرسل ، ومع إرساله ، فيه ابن لهيعة ، وهو ضعيف ، وعطاء بن دينار روايته عن سعيد بن جبير صحيفة. وذكره الواحدي في أسبابه ٣٨٤ بدون إسناد عن سعيد بن جبير. وله شاهد مرسل ، أخرجه الطبري ٤٢٢٧ من حديث جابر وإسناده ضعيف. فيه أشعث بن سوّار ، ضعيف والحسن لم يسمع من جابر. وقد أخرجه عبد الرزاق ٢٦٥٦ بإسناد على شرط مسلم عن جابر موقوفا وهو الصواب وورد عن جماعة من الصحابة. والإجماع منعقد على ذلك. وانظر «تفسير الشوكاني» ٧٧٠ و ٧٧١ بتخريجنا.
__________________
(١) في «اللسان» : الباز : لغة في البازي ، وجمع البازي بزاة.
(٢) وقال الإمام الموفق في «المغني» ١٣ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ : فصل : وكل ما يقبل التعليم ويمكن الاصطياد به من سباع البهائم : كالفهد أو جوارح الطير فحكمه حكم الكلب في إباحة صيده ، وبمعنى هذا قال ابن عباس وطاوس ويحيى بن أبي كثير والحسن ومالك والثوري وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن والشافعي وأبو ثور. وحكي عن ابن عمر ومجاهد أنه لا يجوز الصيد إلا بالكلب اه باختصار.
(٣) قال الإمام البغوي في «تفسيره» عقب الحديث ٧٥٣ : واختلفوا فيما أخذت الصيد وأكلت منه شيئا ،