والأمر بالقتل : يمنع ثبوت اليد ، ويبطل حكم الفعل ، فيصير وجوده كالعدم ، فلا يباح صيده (١).
قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) قال الأخفس : «من» زائدة كقوله تعالى : (فِيها مِنْ بَرَدٍ) (٢). قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) في هاء الكناية قولان : أحدهما : أنها ترجع إلى الإرسال ، قاله ابن عباس ، والسّدّيّ ، وعندنا أن التّسمية شرط في إباحة الصّيد (٣). والثاني : ترجع إلى الأكل فتكون التّسمية مستحبّة.
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ) قال سعيد بن جبير : لا تستحلّوا ما لم يذكر اسم الله عليه.
(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ (٥))
قوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) قال القاضي أبو يعلى : يجوز أن يريد باليوم اليوم الذي أنزلت فيه الآية ، ويجوز أن يريد اليوم الذي تقدّم ذكره في قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ، وفي قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، وقيل : ليس بيوم معيّن ، وقد سبق الكلام في «الطّيّبات» وإنما كرّر إحلالها تأكيدا. فأمّا أهل الكتاب ، فهم اليهود والنّصارى. وطعامهم : ذبائحهم ،
__________________
(١) قال الإمام الموفق في «المغني» ١٣ / ٢٦٧ : ولا يؤكل ما صيد بالكلب الأسود ، إذا كان بهيما لأنه شيطان. قال أحمد : الذي ليس فيه بياض وممن كره صيده الحسن ، والنخعي ، وقتادة ، وإسحاق. قال أحمد : ما أعرف أحدا يرخّص فيه. يعني من السلف. وأباح صيده أبو حنيفة ومالك والشافعي ، لعموم الآية والخبر ، والقياس على غيره من الكلاب. ولنا ، أنه كلب يحرم اقتناؤه ، ويجب قتله ، فلم يبح صيده كغير المعلّم ، ودليل تحريم اقتنائه ما روى مسلم في «صحيحه» بإسناده عن عبد الله بن المغفّل ، قال : أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقتل الكلاب ، ثم نهى عن قتلها ، فقال : «عليكم بالأسود البهيم ، ذي النكتتين ، فإنه شيطان». فالنبي سماه شيطانا ، ولا يجوز اقتناء الشيطان. وإباحة الصيد المقتول رخصة ، فلا تستباح بمحرّم كسائر الرّخص.
(٢) سورة النور : ٤٣.
(٣) قال الإمام الموفق رحمهالله في «المغني» ١٣ / ٢٥٧ ـ ٢٦٥ : مسألة ، قال أبو القاسم ، رحمهالله «وإذا سمّى وأرسل كلبه أو فهده المعلّم ، واصطاد ، وقتل ، ولم يأكل منه ، جاز أكله فاشترط في إباحة ما قتله الجارح شروط منها. أن يسمّي عند إرسال الجارح ، فإن ترك التسمية عمدا أو سهوا لم يبح هذا تحقيق المذهب وهو قول الشعبي وأبي ثور ، وعن أحمد أن التسمية تشترط في إرسال الكلب في العمد والنسيان ، ولا يلزم ذلك في إرسال السهم. وممن أباح متروك التسمية في النسيان دون العمد أبو حنيفة ومالك ، لقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان». وقال الشافعي : يباح متروك التسمية عمدا أو سهوا لأن البراء روى ، أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «المسلم يذبح على اسم الله ، سمّى أو لم يسمّ». وعن أحمد رواية أخرى مثل هذا. ولنا قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إذا أرسلت كلبك ، وسمّيت ، فكل» ، قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر؟ قال : «لا تأكل ، فإنك إنما سمّيت على كلبك ولم تسمّ على الآخر» متفق عليه.
وحديث أبي ثعلبة ، فهذه نصوص صحيحة لا يعرّج على ما خالفها. وأما أحاديث الشافعي ، وإن صحت فهي في الذبيحة ، ولا يصح قياس الصيد عليها ، والتسمية المعتبرة «بسم الله» وقد ثبت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا ذبح قال : «بسم الله والله أكبر». وجاء في تفسير قوله تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) لا أذكر إلا ذكرت معي.
ولنا ، قوله صلىاللهعليهوسلم : «موطنان لا أذكر فيهما ، عند الذبيحة ، والعطاس» رواه أبو محمد الخلّال بإسناده.