وفي تحريفهم الكلم ثلاثة أقوال : أحدها : تغيير حدود التّوراة ، قاله ابن عباس. والثاني : تغيير صفة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، قاله مقاتل. والثالث : تفسيره على غير ما أنزل ، قاله الزجّاج.
قوله تعالى : (عَنْ مَواضِعِهِ) مبيّن في (سورة النّساء).
قوله تعالى : (وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) النّسيان هاهنا : التّرك عن عمد. والحظّ : النّصيب. قال مجاهد : نسوا كتاب الله الذي أنزل عليهم ، وقال غيره : تركوا نصيبهم من الميثاق المأخوذ عليهم. وفي معنى (ذُكِّرُوا بِهِ) قولان : أحدهما : أمروا. والثاني : أوصوا.
قوله تعالى : (وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ) وقرأ الأعمش «على خيانة منهم» قال ابن قتيبة : الخائنة : الخيانة. ويجوز أن تكون صفة للخائن ، كما يقال : رجل طاغية ، وراوية للحديث. قال ابن عباس : وذلك مثل نقض قريظة عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وخروج كعب بن الأشرف إلى أهل مكّة للتّحريض على رسول الله صلىاللهعليهوسلم (إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) لم ينقضوا العهد ، وهم عبد الله بن سلّام وأصحابه. وقيل : بل القليل ممّن لم يؤمن.
قوله تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ) واختلفوا في نسخها على قولين :
أحدهما : أنها منسوخة ، قاله الجمهور. واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال : أحدها : أنها آية السّيف. والثاني : قوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ ...) (١). والثالث : قوله تعالى : (وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً ...) (٢).
(٤١١) والثاني : أنها نزلت في قوم كان بينهم وبين النبيّ صلىاللهعليهوسلم عهد ، فغدروا ، وأرادوا قتل النبيّ صلىاللهعليهوسلم فأظهره الله عليهم ، ثم أنزل الله هذه الآية ، ولم تنسخ.
قال ابن جرير : يجوز أن يعفى عنهم في غدرة فعلوها ، ما لم ينصبوا حربا ، ولم يمتنعوا من أداء الجزية والإقرار بالصّغار ، فلا يتوجّه النّسخ.
(وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ (١٤))
قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ) قال الحسن : إنما قال : قالوا : إنّا نصارى ، ولم يقل : من النّصارى ، ليدلّ على أنهم ليسوا على منهاج النّصارى حقيقة ، هم الذين اتّبعوا المسيح. وقال قتادة : كانوا بقرية ، يقال لها : ناصرة ، فسمّوا بهذا الاسم ، قال مقاتل : أخذ عليهم الميثاق ، كما أخذ على أهل التّوراة أن يؤمنوا بمحمّد ، فتركوا ما أمروا به.
قوله تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ) قال النّصر : هيّجنا ، وقال المؤرّج : حرّشنا بعضهم على بعض وقال الزجّاج : ألصقنا بهم ذلك ، يقال : غريت بالرّجل غرى مقصورا : إذا لصقت به ، هذا قول الأصمعيّ.
____________________________________
(٤١١) تقدم آنفا ، وقد ساقه المصنف بمعناه. وانظر كلام الطبري في «تفسيره» ٤ / ٤٩٨ ـ ٤٩٩.
__________________
(١) سورة التوبة : ٢٩.
(٢) سورة الأنفال : ٥٨.