سورة مريم
وهي مكّيّة بإجماعهم من غير خلاف علمناه. وقال مقاتل : هي مكّيّة غير سجدتها ، فإنها مدنيّة. وقال هبة الله المفسّر : هي مكّيّة غير آيتين منها ، قوله : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) والتي تليها (١).
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(كهيعص (١) ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (٢) إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (٤) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (٦))
قوله تعالى : (كهيعص) قرأ ابن كثير : (كهيعص (١) ذِكْرُ) بفتح الهاء والياء وتبيين الدال التي في هجاء «صاد». وقرأ أبو عمرو : «كهيعص» بكسر الهاء وفتح الياء ويدغم الدال في الذال ، وكان نافع يلفظ بالهاء والياء بين الكسر والفتح ، ولا يدغم الدال التي في هجاء «صاد» في الذال من «ذكر». وقرأ أبو بكر عن عاصم ، والكسائيّ ، بكسر الهاء والياء. إلّا أنّ الكسائيّ لا يبيّن الدال ، وعاصم يبيّنها. وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، بفتح الهاء وكسر الياء ويدغمان. وقرأ أبيّ بن كعب : «كهيعص» برفع الهاء وفتح الياء. وقد ذكرنا في أوّل «البقرة» ما يشتمل على بيان هذا الجنس. وقد خصّ المفسّرون هذه الحروف المذكورة ها هنا بأربعة أقوال (٢) :
أحدها : أنها حروف من أسماء الله عزوجل ، قاله الأكثرون. ثم اختلف هؤلاء في الكاف من أيّ اسم هو ، على أربعة أقوال. أحدها : أنه من اسم الله الكبير. والثاني : من الكريم. والثالث : من الكافي ، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس. والرابع : أنه من الملك ، قاله محمّد بن كعب. فأمّا الهاء ، فكلّهم قالوا : هي من اسمه الهادي ، إلّا القرظي فإنه قال : من اسمه الله. وأمّا الياء ، ففيها ثلاثة أقوال : أحدها : أنها من حكيم. والثاني : من رحيم. والثالث : من أمين ، روى هذه الأقوال الثلاثة سعيد بن جبير عن ابن عباس. فأمّا العين ، ففيها أربعة أقوال : أحدها : أنها من عليم. والثاني :
__________________
(١) سورة مريم : ٥٩ ، ٦٠.
(٢) تقدم الكلام على الحروف المقطّعة في أول سورة البقرة.