من عالم. والثالث : من عزيز ، رواها أيضا سعيد بن جبير عن ابن عباس. والرابع : أنها من عدل ، قاله الضّحّاك. وأما الصاد ، ففيها ثلاثة أقوال : أحدها : أنها من صادق. والثاني : من صدوق ، رواهما سعيد أيضا عن ابن عباس. والثالث : أنها من الصّمد ، قاله محمّد بن كعب.
والقول الثاني : أنّ «كهيعص» قسم أقسم الله تعالى به ، وهو من أسمائه ، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس. وروي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : هو اسم من أسماء الله تعالى. وروي عنه أنه كان يقول : يا كهيعص اغفر لي. قال الزّجّاج : والقسم بهذا والدّعاء لا يدلّ على أنه اسم واحد ، لأنّ الدّاعي إذا علم أنّ الدّعاء بهذه الحروف يدلّ على صفات الله تعالى فدعا بها ، فكأنه قال : يا كافي ، يا هادي ، يا عالم ، يا صادق ، وإذا أقسم بها ، فكأنه قال : والكافي الهادي العالم الصّادق ، وأسكنت هذه الحروف لأنها حروف تهجّ ، النيّة فيها الوقف. والثالث : أنه اسم للسورة ، قاله الحسن ، ومجاهد. والرابع : اسم من أسماء القرآن ، قاله قتادة.
فإن قيل : لم قالوا : هايا ، ولم يقولوا في الكاف : كا ، وفي العين : عا ، وفي الصّاد : صا ، لتتّفق المباني كما اتّفقت العلل؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري ، فقال : حروف المعجم التّسعة والعشرون تجري مجرى الرّسالة والخطبة ، فيستقبحون فيها اتّفاق الألفاظ واستواء الأوزان ، كما يستقبحون ذلك في خطبهم ورسائلهم ، فيغيّرون بعض الكلم ليختلف الوزن وتتغيّر المباني ، فيكون ذلك أعذب على الألسن وأحلى في الأسماع.
قوله تعالى : (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ) قال الزّجّاج : الذّكر مرفوع بالمضمر ، المعنى : هذا الذي نتلو عليك ذكر رحمة ربّك عبده. قال الفرّاء : وفي الكلام تقديم وتأخير ؛ المعنى : ذكر ربّك عبده بالرّحمة ، و «زكريا» في موضع نصب.
قوله تعالى : (إِذْ نادى رَبَّهُ) النداء ها هنا بمعنى الدّعاء. وفي علّة إخفائه لذلك ثلاثة أقوال : أحدها : ليبعد عن الرّياء ، قاله ابن جريج. والثاني : لئلّا يقول الناس : انظروا إلى هذا الشيخ يسأل الولد على الكبر ، قاله مقاتل. والثالث : لئلا يعاديه بنو عمّه ، ويظنّوا أنه كره أن يلوا مكانه بعده ، ذكره أبو سليمان الدّمشقي. وهذه القصة تدلّ على أنّ المستحبّ إسرار الدعاء ، ومنه الحديث : «إنكم لا تدعون أصمّ». قوله تعالى : (إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) وقرأ معاذ القارئ ، والضّحّاك : «وهن» بضم الهاء ، أي :ضعف. قال الفرّاء وغيره : وهن العظم ، ووهن ، بفتح الهاء وكسرها ؛ والمستقبل على الحالين كليهما : يهن. وأراد أنّ قوّة عظامه قد ذهبت لكبره ؛ وإنما خصّ العظم ، لأنه الأصل في التّركيب. وقال قتادة : شكا ذهاب أضراسه. قوله تعالى : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) يعني : انتشر الشّيب فيه ، كما ينتشر شعاع النار في الحطب ، وهذا من أحسن الاستعارات. (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ) أي : بدعائي إيّاك (رَبِّ شَقِيًّا) أي : لم أكن لأتعب بالدّعاء ثم أخيّب ، لأنك قد عوّدتني الإجابة ؛ يقال : شقي فلان بكذا : إذا تعب بسببه ، ولم ينل مراده.
قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ) يعني : الذين يلونه في النّسب ، وهم بنو العمّ والعصبة (مِنْ وَرائِي) أي : من بعد موتي. وفي ما خافهم عليه قولان :
أحدهما : أنه خاف أن يرثوه ، قاله ابن عباس. فإن اعترض عليه معترض ، فقال : كيف يجوز لنبيّ