فاستأذن الله في خلّته ، فأذن له ، فهبط إليه في صورة آدميّ ، وكان يصحبه ، فلمّا عرفه ، قال : إنّي أسألك حاجة ، قال : ما هي؟ قال : تذيقني الموت ، فلعلّي أعلم ما شدّته فأكون له أشدّ استعدادا ؛ فأوحى الله إليه أن اقبض روحه ساعة ثم أرسله ، ففعل ، ثم قال : كيف رأيت؟ قال : كان أشدّ ممّا بلغني عنه ، وإنّي أحبّ أن تريني النار ، قال : فحمله ، فأراه إيّاها ؛ قال : إني أحبّ أن تريني الجنّة ، فأراه إيّاها ، فلمّا دخلها وطاف فيها ، قال له ملك الموت : اخرج ، فقال : والله لا أخرج حتى يكون الله تعالى يخرجني ؛ فبعث الله ملكا فحكم بينهما ، فقال : ما تقول يا ملك الموت؟ فقصّ عليه ما جرى ؛ فقال : ما تقول يا إدريس؟ قال : إنّ الله تعالى قال : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (١) وقد ذقته ، وقال : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (٢) ، وقد وردتها ، وقال لأهل الجنّة : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) (٣) ، فو الله لا أخرج حتى يكون الله يخرجني ؛ فسمع هاتفا من فوقه يقول : بإذني دخل وبأمري فعل فخلّ سبيله ؛ هذا معنى ما رواه زيد بن أسلم مرفوعا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
فإن سأل سائل فقال : من أين لإدريس هذه الآيات ، وهي في كتابنا؟! فقد ذكر ابن الأنباري عن بعض العلماء ، قال : كان الله تعالى قد أعلم إدريس بما ذكر في القرآن من وجوب الورود ، وامتناع الخروج من الجنّة ، وغير ذلك ؛ فقال ما قاله بعلم.
والثاني : أنّ ملكا من الملائكة استأذن ربّه أن يهبط إلى إدريس ، فأذن له ، فلمّا عرفه إدريس ، قال : هل بينك وبين ملك الموت قرابة؟ قال : ذاك أخي من الملائكة ، قال : هل تستطيع أن تنفعني عند ملك الموت؟ قال : سأكلّمه فيك ، فيرفق بك ، اركب بين جناحيّ ، فركب إدريس ، فصعد به إلى السماء ، فلقي ملك الموت ، فقال : إنّ لي إليك حاجة ، قال ؛ أعلم ما حاجتك ، تكلّمني في إدريس وقد محي اسمه من الصّحيفة ولم يبق من أجله إلّا نصف طرفة عين؟! فمات إدريس بين جناحي ملك ، رواه عكرمة عن ابن عباس (٤) وقال أبو صالح عن ابن عباس : فقبض ملك الموت روح إدريس في السماء السادسة.
والثالث : أنّ إدريس مشى يوما في الشمس ، فأصابه وهجها ، فقال : اللهمّ خفّف ثقلها عمّن يحملها ، يعني به الملك الموكّل بالشمس ، فلما أصبح الملك وجد من خفّة الشمس وحرّها ما لا يعرف ، فسأل الله تعالى عن ذلك ، فقال : إنّ عبدي إدريس سألني أن أخفّف عنك حملها وحرّها ، فأجبته ، فقال : يا ربّ اجمع بيني وبينه ، واجعل بيننا خلّة ، فأذن له ، فأتاه ، فكان مما قاله إدريس : اشفع لي إلى ملك الموت ليؤخّر أجلي ، فقال : إنّ الله لا يؤخّر نفسا إذا جاء أجلها ، ولكن أكلّمه فيك ، فما كان مستطيعا أن يفعل بأحد من بني آدم فعل بك ثم حمله الملك على جناحه ، فرفعه إلى السماء ، فوضعه عند مطلع الشمس ، ثم أتى ملك الموت فقال : إنّ لي إليك حاجة صديق لي من بني آدم تشفّع بي إليك لتؤخّر أجله ، قال : ليس ذاك إليّ ، ولكن إن أحببت أعلمته متى يموت ، فنظر في ديوانه ،
____________________________________
إسناده إليه ، ولا يصح ، والأشبه في هذا كونه متلقى عن أهل الكتاب ، والله أعلم.
__________________
(١) سورة آل عمران : ١٨٥.
(٢) سورة مريم : ٧١.
(٣) سورة الحجر : ٤٨.
(٤) هذه الآثار مصدرها كتب الأقدمين ، لا حجة في شيء منها.