قوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ) أي : في الكفر والعمى عن التّوحيد (فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ) قال الزّجّاج : وهذا لفظ أمر ، ومعناه الخبر ، والمعنى : أنّ الله تعالى جعل جزاء ضلالته أن يتركه فيها. قال ابن الأنباري : خاطب الله العرب بلسانها ، وهي تقصد التّوكيد للخبر بذكر الأمر ، يقول أحدهم : إن زارنا عبد الله فلنكرمه ، يقصد التّوكيد ع ، وينبّه على أنّي ألزم نفسي إكرامه ؛ ويجوز أن تكون اللام لام الدعاء على معنى : قل يا محمّد : من كان في الضّلالة فاللهم مدّ له في العمر مدّا. قال المفسّرون : ومعنى مدّ الله تعالى له : إمهاله في الغيّ. (حَتَّى إِذا رَأَوْا) يعني الذين مدّهم في الضّلالة. وإنما أخبر عن الجماعة ، لأنّ لفظ «من» يصحّ للجماعة. ثم ذكر ما يوعدون فقال : (إِمَّا الْعَذابَ) يعني : القتل ، والأسر (وَإِمَّا السَّاعَةَ) يعني : القيامة وما وعدوا فيها من الخلود في النار (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً) في الآخرة ، أهم ، أم المؤمنون؟ لأن مكان هؤلاء الجنّة ، ومكان هؤلاء النار ، (وَ) يعلمون بالنّصر والقتل من (أَضْعَفُ جُنْداً) جندهم ، أم جند رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وهذا ردّ عليهم في قولهم : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا).
قوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) فيه خمسة أقوال : أحدها : ويزيد الله الذين اهتدوا بالتّوحيد إيمانا. والثاني : يزيدهم بصيرة في دينهم. والثالث : يزيدهم بزيادة الوحي إيمانا ، فكلّما نزلت سورة زاد إيمانهم. والرابع : يزيدهم إيمانا بالنّاسخ والمنسوخ. والخامس : يزيد الذين اهتدوا بالمنسوخ هدى بالنّاسخ. قال الزّجّاج : المعنى : إنّ الله تعالى يجعل جزاءهم أن يزيدهم يقينا ، كما جعل جزاء الكافر أن يمدّه في ضلالته.
قوله تعالى : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) قد ذكرناها في سورة الكهف (١).
قوله تعالى : (وَخَيْرٌ مَرَدًّا) المردّ ها هنا مصدر مثل الرّدّ ، والمعنى : وخير ردّا للثّواب على عامليها ، فليست كأعمال الكفار التي خسروها فبطلت.
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً (٧٧) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (٧٨) كَلاَّ سَنَكْتُبُ ما يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذابِ مَدًّا (٧٩) وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ وَيَأْتِينا فَرْداً (٨٠))
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا) في سبب نزولها قولان :
(٩٦٧) أحدها : ما روى البخاريّ ومسلم في «الصحيحين» من حديث مسروق عن خبّاب بن الأرت قال : كنت رجلا قينا ، أي حدادا ، وكان لي على العاص بن وائل دين ، فأتيته أتقاضاه ، فقال : لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمّد ، فقلت : لا والله لا أكفر بمحمّد صلىاللهعليهوسلم حتى تموت ، ثم تبعث. قال :
____________________________________
(٩٦٧) صحيح. أخرجه البخاري ٢٢٧٥ و ٤٧٣٢ و ٤٧٣٣ ومسلم ٢٧٩٥ ح ٣٦ والترمذي ٣١٦٢ وأحمد ٥ / ١١٠ وابن حبان ٥٠١٠ من طرق عن سفيان عن الأعمش به. وأخرجه البخاري ٢٠٩١ و ٢٤٢٥ و ٤٧٣٤ و ٤٧٣٥ ومسلم ٢٧٩٥ والنسائي في «التفسير» ٣٤٢ وأحمد ١ / ١١١ وابن حبان ٤٨٨٥ والواحدي في «أسباب النزول» ٦١٠ و ٦١١ والطبراني ٣٦٥١ و ٣٦٥٢ و ٣٦٥٤.
__________________
(١) سورة الكهف : ٤٦.