الياء ، أي : لطيفا رفيقا. وللمفسّرين فيه خمسة أقوال : أحدها : قولا له : قل : «لا إله إلّا الله وحده لا شريك له» ، رواه خالد بن معدان عن معاذ ، والضّحّاك عن ابن عباس. والثاني : أنه قوله : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلى رَبِّكَ فَتَخْشى) (١) ، قاله أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مقاتل. والثالث : كنّياه ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال السّدّيّ. فأمّا اسمه ، فقد ذكرناه في البقرة (٢). وفي كنيته أربعة أقوال. أحدها : أبو مرّة ، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني : أبو مصعب ، ذكره أبو سليمان الدّمشقي. والثالث : أبو العبّاس. والرابع : أبو الوليد ، حكاهما الثّعلبيّ. والقول الرابع : قولا له : إنّ لك ربّا ، وإنّ لك معادا ، وإنّ بين يديك جنّة ونارا ، قاله الحسن. والخامس : أنّ القول اللّين : أنّ موسى أتاه ، فقال له : تؤمن بما جئت به وتعبد ربّ العالمين ، على أنّ لك شبابك فلا تهرم ، وتكون ملكا لا ينزع منك حتى تموت ، فإذا متّ دخلت الجنّة ، فأعجبه ذلك ؛ فلمّا جاء هامان ، أخبره بما قال موسى ، فقال : قد كنت أرى أنّ لك رأيا ، أنت ربّ أردت أن تكون مربوبا؟! فقلبه عن رأيه ، قاله السّدّيّ. وحكي عن يحيى بن معاذ أنه قرأ هذه الآية ، فقال : إلهي هذا رفقك بمن يقول : أنا إله ، فكيف رفقك بمن يقول : أنت إله.
قوله تعالى : (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) قال الزّجّاج : «لعلّ» في اللغة : ترجّ وطمع ، تقول : لعلّي أصير إلى خير ، فخاطب الله تعالى العباد بما يعقلون. والمعنى عند سيبويه : اذهبا على رجائكما وطمعكما. والعلم من الله تعالى من وراء ما يكون ، وقد علم أنه لا يتذكّر ولا يخشى ، إلّا أنّ الحجّة إنما تجب عليه بالآية والبرهان ، وإنما تبعث الرّسل وهي لا تعلم الغيب ولا تدري أيقبل منها ، أم لا ، وهم يرجون ويطمعون أن يقبل منهم ، ومعنى «لعلّ» متصوّر في أنفسهم ، وعلى تصوّر ذلك تقوم الحجّة. قال ابن الأنباري : ومذهب الفرّاء في هذا : كي يتذكّر. وروى خالد بن معدان عن معاذ قال : والله ما كان فرعون ليخرج من الدنيا حتى يتذكّر أو يخشى ، لهذه الآية ، وإنه تذكّر وخشي لمّا أدركه الغرق. وقال كعب : والذي يحلف به كعب ، إنه لمكتوب في التّوراة : فقولا له قولا ليّنا ، وسأقسّي قلبه فلا يؤمن. قال المفسّرون : كان هارون يومئذ غائبا بمصر ، فأوحى الله تعالى إلى هارون أن يتلقّى موسى ، فتلقّاه على مرحلة ، فقال له موسى : إنّ الله تعالى أمرني أن آتي فرعون ، فسألته أن يجعلك معي ؛ فعلى هذا يحتمل أن يكونا حين التقيا قالا : ربّنا إننا نخاف. قال ابن الأنباري : ويجوز أن يكون القائل لذلك موسى وحده ، وأخبر الله عنه بالتثنية لمّا ضمّ إليه هارون ، فإنّ العرب قد توقع التثنية على الواحد ، فتقول : يا زيد قوما ، يا حرسيّ اضربا عنقه.
قوله تعالى : (أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) وقرأ عبد الله بن عمرو ، وابن السّميفع ، وابن يعمر ، وأبو العالية : «أن يفرط» برفع الياء وكسر الراء. وقرأ عكرمة ، وإبراهيم النّخعيّ : «أن يفرط» بفتح الياء والراء. وقرأ أبو رجاء العطاردي ، وابن محيصن : «أن يفرط» بضمّ الياء وفتح الراء. قال الزّجّاج : المعنى ، أن يبادر بعقوبتنا ، يقال : قد فرط منه أمر ، أي : قد بدر ؛ وقد أفرط في الشيء : إذا اشتطّ فيه ؛ وفرّط في الشيء : إذا قصّر ؛ ومعناه كلّه : التّقدّم في الشيء ، لأنّ الفرط في اللغة : المتقدّم.
__________________
(١) سورة النازعات : ١٨ و ١٩.
(٢) سورة البقرة : ٤٩.