قوله تعالى : (لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) أي : غافلة عمّا يراد بهم. قال الزّجّاج : المعنى : إلّا استمعون لاعبين لاهية قلوبهم ؛ ويجوز أن يكون منصوبا بقوله : «يلعبون». وقرأ عكرمة ، وسعيد بن جبير ، وابن أبي عبلة : «لاهية» بالرفع.
قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أي : تناجوا فيما بينهم ، يعني المشركين. ثم بيّن من هم فقال : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : أشركوا بالله. و «الذين» في موضع رفع على البدل من الضمير في «وأسرّوا» ثم بيّن سرّهم الذي تناجوا به فقال : (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي : آدميّ ، فليس بملك ، وهذا إنكار لنبوّته. وبعضهم يقول : «أسرّوا» ها هنا بمعنى : أظهروا ، لأنه من الأضداد.
قوله تعالى : (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ) أي : أفتقبلون السحر (وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) أنه سحر؟! يعنون أنّ متابعة محمّد صلىاللهعليهوسلم متابعة السّحر. (قالَ رَبِّي) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : «قل ربي». وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وحفص عن عاصم : «قال ربّي» ، وكذلك هي في مصاحف الكوفيين ، وهذا على الخبر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : يعلم القول ، أي : لا يخفى عليه شيء يقال في السماء والأرض ، فهو عالم بما أسررتم. (بَلْ قالُوا) ، قال الفرّاء : ردّ ب (بَلْ) على معنى تكذيبهم ، وإن لم يظهر قبله الكلام بجحودهم ، لأنّ معناه الإخبار عن الجاحدين ، وأعلم أنّ المشركين كانوا قد تحيّروا في أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاختلفت أقوالهم فيه ، فبعضهم يقول : هذا الذي يأتي به سحر ، وبعضهم يقول : أضغاث أحلام ، وهي الأشياء المختلطة ترى في المنام ؛ وقد شرحناها في يوسف (١) ، وبعضهم يقول : افتراه ، أي : اختلقه ، وبعضهم يقول : هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا ، فاقترحوا الآيات التي لا إمهال بعدها.
قوله تعالى : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ) يعني : مشركي مكّة (مِنْ قَرْيَةٍ) وصف القرية ، والمراد أهلها ، والمعنى : أنّ الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات ، لم يؤمنوا بالآيات لمّا أتتهم ، فكيف يؤمن هؤلاء؟! وهذه إشارة إلى أنّ الآية لا تكون سببا للإيمان ، إلّا أن يشاء الله.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) هذا جواب قولهم : «هل هذا إلّا بشر مثلكم». قوله تعالى : (نُوحِي إِلَيْهِمْ) قرأ الأكثرون : «يوحى» بالياء. وروى حفص عن عاصم : «نوحي» بالنون. وقد شرحنا هذه الآية في النّحل (٢).
قوله تعالى ؛ (وَما جَعَلْناهُمْ) يعني الرّسل (جَسَداً) قال الفرّاء : لم يقل : أجسادا ، لأنه اسم الجنس. قال مجاهد : وما جعلناهم جسدا ليس فيهم روح. قال ابن قتيبة : ما جعلنا الأنبياء قبله أجسادا لا تأكل الطعام ولا تموت فنجعله كذلك. قال المبرّد وثعلب جميعا : العرب إذا جاءت بين الكلام بجحدين ، كان الكلام إخبارا ، فمعنى الآية : إنما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطعام. قال قتادة : المعنى : وما جعلناهم جسدا إلّا ليأكلوا الطعام.
قوله تعالى : (ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) يعني : الأنبياء أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك مكذّبيهم (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ) وهم الذين صدّقوهم (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) يعني : أهل الشّرك ؛ وهذا
__________________
(١) سورة يوسف : ٤٤.
(٢) سورة النحل : ٤٣.