الملائكة بنات الله والآلهة بناته ، نزلت هذه الآية ، قاله أبو صالح عن ابن عباس (١). والثاني : أنّ نصارى نجران قالوا : إنّ عيسى ابن الله ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل (٢).
وفي المراد باللهو ثلاثة أقوال (٣) : أحدها : الولد ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال السّدّيّ. قال الزّجّاج : المعنى : لو أردنا أن نتّخذ ولدا ذا لهو نلهى به. والثاني : المرأة ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال الحسن ، وقتادة. والثالث : اللعب ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
قوله تعالى : (لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) قال ابن جريج : لاتّخذنا نساء وولدا من أهل السماء ، لا من أهل الأرض. قال ابن قتيبة : وأصل اللهو : الجماع ، فكنّي عنه باللهو ، كما كنّي عنه بالسّرّ ، والمعنى : لو فعلنا ذلك لاتّخذناه من عندنا ، لأنكم تعلمون أنّ ولد الرجل وزوجته يكونان عنده ، لا عند غيره. وفي قوله تعالى : (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) قولان : أحدهما : أنّ (أَنْ) بمعنى «ما» ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة. والثاني : أنها بمعنى الشّرط. قال الزّجّاج : والمعنى : إن كنّا نفعل ذلك ، ولسنا ممّن يفعله ؛ قال : والقول الأول قول المفسّرين ، والثاني : قول النّحويين ، وهم يستجيدون القول الأول أيضا ، لأنّ «إن» تكون في موضع النّفي ، إلّا أنّ أكثر ما تأتي مع اللام ، تقول : إن كنت لصالحا ، معناه : ما كنت إلّا صالحا.
قوله تعالى : (بَلْ) أي : دع ذاك الذي قالوا ، فإنه باطل (نَقْذِفُ بِالْحَقِ) أي : نسلّط الحقّ وهو القرآن (عَلَى الْباطِلِ) وهو كذبهم (فَيَدْمَغُهُ) قال ابن قتيبة : أي : يكسره ، وأصل هذا إصابة الدّماغ بالضّرب ، وهو مقتل (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ) أي : زائل ذاهب. قال المفسّرون : والمعنى : إنّا نبطل كذبهم بما نبيّن من الحق حتى يضمحلّ ، (وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) أي : من وصفكم الله بما لا يجوز (وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) يعني : هم عبيده وملكه (وَمَنْ عِنْدَهُ) يعني : الملائكة. وفي قوله : (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) ثلاثة أقوال : أحدها : لا يرجعون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني : لا ينقطعون ، قاله مجاهد. وقال ابن قتيبة : لا يعيون ، والحسر : المنقطع الواقف إعياء وكلالا. والثالث : لا يملّون ، قاله ابن زيد.
قوله تعالى : (لا يَفْتُرُونَ) قال قتادة : لا يسأمون. وسئل كعب : أما يشغلهم شأن؟ أما تشغلهم حاجة؟ فقال للسائل : يا ابن أخي ، جعل لهم التّسبيح كما جعل لكم النّفس ، ألست تأكل وتشرب وتقوم وتجلس وتجيء وتذهب وتتكلّم وأنت تتنفّس؟! فكذلك جعل لهم التّسبيح. ثم إنّ الله تعالى عاد إلى توبيخ المشركين فقال : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ) لأنّ أصنامهم من الأرض هي ، سواء كانت من ذهب أو فضّة أو خشب أو حجارة (هُمْ) يعني : الآلهة (يُنْشِرُونَ) أي : يحيون الموتى. وقرأ الحسن :
__________________
(١) لا يصح عن ابن عباس ، أبو صالح ضعيف ، وراويته الكلبي ، وهو ممن يضع الحديث.
(٢) باطل. عزاه المصنف لمقاتل ، وهو ممن يضع الحديث ، والسورة مكية ، وإنما قدم نصارى نجران في المدينة.
(٣) قال الطبري رحمهالله ٩ / ١١ : لو أردنا أن نتخذ زوجة وولدا لاتخذنا ذلك من عندنا ، ولكنا لا نفعل ذلك ، ولا يصلح لنا فعله ، ولا ينبغي ، لأنه لا يكون لله ولد ولا صاحبة. وقال ابن كثير رحمهالله ٣ / ٢٢١ : فنزه نفسه عن اتخاذ الولد مطلقا ، لا سيما عما يقولون من الإفك والباطل ، من اتخاذ عيسى ، أو عزير ، أو الملائكة سبحان الله عما يقولون علوا كبيرا.