والثاني : فظنّ أن لن نضيّق عليه ، قاله عطاء. قال ابن قتيبة : يقال فلان مقدّر عليه ، ومقتّر عليه ، ومنه قوله تعالى : (فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ) (١) أي ضيّق عليه فيه. قال النقاش : والمعنى فظن أن يضيقه عليه الخروج ، فكأنّه ظنّ أنّ الله تعالى قد وسّع عليه إن شاء أن يقيم وإن شاء أن يخرج ، ولم يؤذن له في الخروج. والثالث : أنّ المعنى : أفظنّ أنه يعجز ربّه فلا يقدر عليه ، رواه عوف عن الحسن. وقال ابن زيد وسليمان التّيميّ : المعنى أفظنّ أن لن نقدر عليه ؛ فعلى هذا الوجه يكون استفهاما قد حذفت ألفه ؛ وهذا الوجه يدلّ على أنه من القدرة ، ولا يتصوّر إلّا مع تقدير الاستفهام ، ولا أعلم له وجها إلّا أن يكون استفهام إنكار تقديره : ما ظنّ عجزنا فأين يهرب منّا؟!
قوله تعالى : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ) فيها ثلاثة أقوال (٢) : أحدها : أنه ظلمة البحر ، وظلمة بطن الحوت وظلمة الليل ، قاله سعيد بن جبير وقتادة والأكثرون. والثاني : أنّ حوتا جاء فابتلع الحوت الذي هو في بطنه فنادى في ظلمة حوت ثم في ظلمة حوت ثم في ظلمة البحر ، قاله سالم بن أبي الجعد. والثالث : أنها ظلمة الماء وظلمة معى السّمكة وظلمة بطنها ، قاله ابن السّائب.
(٩٩٧) وقد روى سعد بن أبي وقّاص عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إنّي لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلّا فرّج الله عنه ، كلمة أخي يونس : فنادى في الظّلمات أن لا إله إلّا أنت ، سبحانك إنّي كنت من الظّالمين». قال الحسن : وهذا اعتراف من يونس بذنبه وتوبة من خطيئته.
قوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) أي : أجبناه (وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِ) أي : من الظّلمات (وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) إذا دعونا. وروى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ : «نجّي المؤمنين» بنون واحدة مشدّدة الجيم ؛ قال الزّجّاج : وهذا لحن لا وجه له ، وقال أبو عليّ الفارسيّ : غلط الرّاوي عن عاصم ، ويدلّ على هذا إسكانه الياء من «نجّي» ونصب «المؤمنين» ولو كان على ما لم يسمّ فاعله ما سكّن الياء ، ولرفع «المؤمنين».
(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ (٨٩) فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً
____________________________________
(٩٩٧) حسن. أخرجه النسائي في «اليوم والليلة» ٦٦٠ وابن السني ٣٤٥ بإسناد ضعيف. وأخرجه الترمذي ٣٥٠٥ والحاكم ١ / ٥٠٥ من حديث سعد بن أبي وقّاص ، من وجه آخر ، وإسناده حسن ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وكذا الألباني في صحيح سنن الترمذي ، وورد من وجه آخر مطولا وله قصة أخرجه أحمد ١٤٦٤ وقال الهيثمي ١١١٧٦ : رجاله رجال الصحيح سوى إبراهيم بن محمد ، وهو ثقة. فهذه الطرق تتأيد بمجموعها. فالحديث حسن إن شاء الله. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٦٣٨ بتخريجنا.
__________________
(١) سورة الفجر : ١٦.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٧٧ : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أخبر عن يونس أنه ناداه في الظلمات ، ولا شك أنه قد عني بإحدى الظلمات : بطن الحوت وبالأخرى : ظلمة البحر ، وفي الثالثة اختلاف ، ولا دليل يدلّ على أي ذلك من أي ، فلا قول في ذلك أولى بالحق من التسليم لظاهر التنزيل.