وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ (٩٠) وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ (٩١) إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (٩٢) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ (٩٣) فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ (٩٤))
قوله تعالى : (لا تَذَرْنِي فَرْداً) أي : وحيدا بلا ولد (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ) أي : أفضل من بقي حيّا بعد ميت. قوله تعالى : (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ) فيه ثلاثة أقوال (١) : أحدها : أصلحت للولد بعد أن كانت عقيما ، قاله ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة. والثاني : أنه كان في لسانها طول ، وهو : البذاء ، فأصلحت ، قاله عطاء وقال السّدّيّ : كانت سليطة فكفّ عنه لسانها. والثالث : أنه كان خلقها سيّئا ، قاله محمّد بن كعب. قوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) أي : يبادرون في طاعة الله. وفي المشار إليهم قولان : أحدهما : زكريّا ، وامرأته ، ويحيى. والثاني : جميع الأنبياء المذكورون في هذه السّورة. قوله تعالى : (وَيَدْعُونَنا) وقرأ ابن مسعود ، وابن محيصن : «ويدعونا» بنون واحدة. قوله تعالى : (رَغَباً وَرَهَباً) أي : رغبا فيما عندنا ، ورهبا منّا ؛ وقرأ الأعمش : «رغبا ورهبا» بضم الرّاءين وجزم الغين والهاء ، وهما لغتان مثل النّحل ، والنّحل ، والسّقم ، والسّقم (وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) أي : متواضعين.
قوله تعالى : (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) فيه قولان : أحدهما : أنه مخرج الولد ، والمعنى منعته مما لا يحلّ. وإنما وصفت بالعفاف لأنها قذفت بالزّنا. والثاني : أنه جيب درعها. ومعنى الفرج في اللغة : كلّ فرجة بين شيئين ، وموضع جيب درع المرأة مشقوق ، فهو يسمّى فرجا. وهذا أبلغ في الثناء عليها ، لأنها إذا منعت جيب درعها ، فهي لنفسها أمنع.
قوله تعالى : (فَنَفَخْنا فِيها) أي : أمرنا جبريل ، فنفخ في درعها ، فأجرينا فيها روح عيسى كما تجري الريح بالنّفخ. وأضاف الرّوح إليه إضافة الملك ، للتّشريف والتّخصيص (وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً) قال الزّجّاج : لمّا كان شأنهما واحدا ، كانت الآية فيهما آية واحدة ، وهي ولادة من غير فحل. وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : «آيتين» على التثنية.
قوله تعالى : (إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ) قال ابن عباس : المراد بالأمّة ها هنا : الدّين ، وفي المشار إليهم قولان : أحدهما : أنهم أمّة محمّد صلىاللهعليهوسلم وهو معنى قول مقاتل. والثاني : أنهم الأنبياء عليهمالسلام ، قاله أبو سليمان الدّمشقي. ثم ذكر أهل الكتاب ، فذمّهم بالاختلاف ، فقال تعالى : (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ) أي : اختلفوا في الدّين ، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) أي : شيئا من الفرائض وأعمال البرّ (فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ) أي : لا نجحد ما عمل ، قاله ابن قتيبة ، والمعنى : أنه يقبل منه ويثاب عليه
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٧٩ : والصواب أن يقال : إنّ الله أصلح لزكريا زوجه بأن جعلها ولودا حسنة الخلق ، لأن كل ذلك من معاني إصلاحه إياها ، ولم يخصص الله جل ثناؤه بذلك في كتابه ولا على لسان رسوله ، فهو على العموم. واختار ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٢ / ٢٤٤ الأول وقال : وهو الأظهر من السياق.