(وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) ذلك بأمر الحفظة أن يكتبوه ليجازيه به.
(وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) حَتَّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (٩٦) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يا وَيْلَنا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا بَلْ كُنَّا ظالِمِينَ (٩٧) إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ (٩٨) لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ (٩٩) لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ (١٠٠))
قوله تعالى : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم : «وحرام» بألف. وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر عن عاصم : «وحرم» بكسر الحاء من غير ألف ، وهما لغتان. يقال : حرم وحرام. وقرأ معاذ القارئ وأبو المتوكّل وأبو عمران الجوني : «وحرم» بفتح الحاء وسكون الراء من غير ألف والميم مرفوعة منوّنة. وقرأ سعيد بن جبير : «وحرم» بفتح الحاء وسكون الراء وفتح الميم وكسر الراء من غير تنوين ولا ألف. وقرأ سعيد بن المسيب وأبو مجلز وأبو رجاء : «وحرم» بفتح الحاء وضمّ الراء ونصب الميم من غير ألف. وفي معنى قوله تعالى : (وَحَرامٌ) قولان:
أحدهما : واجب ، قاله ابن عباس ، وأنشدوا في معناه :
فإنّ حراما لا أرى الدّهر باكيا |
|
على شجوه إلّا بكيت على عمرو (١) |
أي : واجب. والثاني : أنه بمعنى العزم ، قاله سعيد بن جبير. وقال عطاء : حتم من الله ، والمراد بالقرية : أهلها.
ثم في معنى الآية أربعة أقوال (٢) : أحدها : واجب على قرية أهلكناها أنهم لا يتوبون ، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني : واجب عليها أنها إذا أهلكت لا ترجع إلى دنياها ، هذا قول قتادة ؛ وقد روي عن ابن عباس نحوه. والثالث : أنّ «لا» زائدة ؛ والمعنى : حرام على قرية مهلكة أنهم يرجعون إلى الدنيا ، قاله ابن جريج ، وابن قتيبة في آخرين. والرابع : أنّ الكلام متعلّق بما قبله ، لأنه لمّا قال : «فلا كفران لسعيه» أعلمنا أنه قد حرّم قبول أعمال الكفّار ؛ فمعنى الآية : وحرام على قرية أهلكناها أن يتقبّل منهم عمل ، لأنهم لا يتوبون ، هذا قول الزّجّاج.
فإن قيل : كيف يصحّ أن يحرّم على الإنسان ما ليس من فعله ، ورجوعهم بعد الموت ليس إليهم؟
__________________
(١) البيت لعبد الرحمن بن جمانة المحاربي الجاهلي. كما في «اللسان» ـ حرم ـ.
ونسب للخنساء في «البحر المحيط» ٦ / ٣١٤ و «تفسير القرطبي» ١١ / ٢٩٧ ولا يوجد البيت في ديوانها.
(٢) قال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ١١ / ٢٩٨ : قال النحاس : والآية مشكلة ومن أحسن ما قيل فيها وأجلّه ما رواه عكرمة عن ابن عباس في قول الله عزوجل : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) قال وجب أنهم لا يرجعون ؛ قال لا يتوبون. قال أبو جعفر : واشتقاق هذا بيّن في اللغة وشرحه : أن معنى حرّم الشيء حظر ومنع منه ، كما أن معنى أحل أبيح ولم يمنع منه. وقيل : في الكلام إضمار أي وحرام على قرية حكمنا باستئصالها ، أو بالختم على قلوبها أن يتقبل منها عمل لأنهم لا يرجعون أي لا يتوبون ، قاله الزجاج وأبو علي ، وهذا هو معنى قول ابن عباس.