سورة الحجّ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ (٢) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (٣) كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٤))
فصل في نزولها (١) : روى أبو صالح عن ابن عباس أنها مكّيّة كلّها ، غير آيتين نزلتا بالمدينة : قوله سبحانه وتعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) ، والّتي تليها (٢) وفي رواية أخرى عن ابن عباس أنها مدنيّة إلّا أربع آيات نزلت بمكّة ، وهي قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ) إلى آخر الأربع (٣). وقال عطاء بن السّائب : نزلت بمكّة إلّا ثلاث آيات منها نزلت بالمدينة : (هذانِ خَصْمانِ) واللتان بعدها (٤) وقال أبو سليمان الدّمشقي : أوّلها مدنيّ إلى قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (٥) وسائرها مكّيّ. وقال الثّعلبيّ : هي مكيّة غير ست آيات نزلت بالمدينة ، وهي قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ) إلى قوله تعالى : (الْحَمِيدِ) (٦). وقال هبة الله بن سلامة : هي من أعاجيب سور القرآن ، لأنّ فيها مكيّا ، ومدنيّا ، وحضريّا ، وسفريّا ، وحربيّا ، وسلميّا ، وليليّا ، ونهاريّا ، وناسخا ، ومنسوخا. فأمّا المكّيّ ، فمن رأس الثلاثين منها إلى آخرها. وأما المدنيّ ، فمن رأس خمس وعشرين إلى رأس ثلاثين. وأما الليليّ ، فمن أوّلها إلى آخر خمس آيات. وأما النّهاريّ ، فمن رأس خمس آيات. إلى رأس تسع. وأما السّفريّ ، فمن رأس تسع إلى اثنتي عشرة. وأما الحضريّ ، فإلى رأس العشرين ، نسب إلى المدينة ، لقرب مدّته.
قوله تعالى : (اتَّقُوا رَبَّكُمْ) أي : احذروا عقابه (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ) الزّلزلة : الحركة على الحالة الهائلة. وفي وقت هذه الزّلزلة قولان (٧) : أحدهما : أنها يوم القيامة بعد النّشور.
__________________
(١) قال القرطبي رحمهالله في «تفسيره» ١٢ / ٥ : وقال الجمهور : السورة مختلطة ، منها مكي ومنها مدني. وهذا هو الأصح ، لأن الآيات تقتضي ذلك ، لأن «يا أيها الناس» مكي و «يا أيها الذين آمنوا» مدني.
(٢) سورة الحج : ١٢ ، ١٣.
(٣) سورة الحج : ٥٣ ـ ٥٧.
(٤) سورة الحج : ٢٠ ـ ٢٢.
(٥) سورة الحج : ٢٤ ، ٢٥.
(٦) سورة الحج : ٣٨.
(٧) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ١٠٥ : والصواب من القول في ذلك : ما صح به الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ وهو حديث أبي سعيد الخدري ـ.