طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧))
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) يعني : أهل مكّة (إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ) أي : في شكّ من القيامة (فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ) يعني : خلق آدم (ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) يعني : خلق ولده ، والمعنى : إن شككتم في بعثكم فتدبّروا أمر خلقكم وابتدائكم ، فإنكم لا تجدون في القدرة فرقا بين الابتداء والإعادة. فأمّا النّطفة ، فهي المنيّ. والعلقة : دم عبيط جامد. وقيل : سمّيت علقة لرطوبتها وتعلّقها بما تمرّ به ، فإذا جفّت فليست علقة. والمضغة : لحمة صغيرة. قال ابن قتيبة : وسمّيت بذلك ، لأنها بقدر ما يمضغ ، كما قيل : غرفة لقدر ما يغرف.
قوله تعالى : (مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) فيه خمسة أقوال (١) : أحدها : أنّ المخلّقة : ما خلق سويّا ، وغير المخلّقة : ما ألقته الأرحام من النّطف ، وهو دم قبل أن يكون خلقا ، قاله ابن مسعود. والثاني : أنّ المخلّقة : ما أكمل خلقه بنفخ الرّوح فيه ، وهو الذي يولد حيّا لتمام ، وغير المخلّقة : ما سقط غير حيّ لم يكمل خلقه بنفخ الرّوح فيه ، هذا معنى قول ابن عباس. والثالث : أنّ المخلّقة : المصوّرة ، وغير المخلّقة : غير مصوّرة ، قاله الحسن. والرابع : أنّ المخلّقة وغير المخلّقة : السّقط ، تارة يسقط نطفة وعلقة ، وتارة قد صوّر بعضه ، وتارة قد صوّر كلّه ، قاله السّدّيّ. والخامس : أنّ المخلّقة : التّامة ، وغير المخلّقة : السّقط ، قاله الفرّاء ، وابن قتيبة.
قوله تعالى : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) فيه أربعة أقوال : أحدها : خلقناكم لنبيّن لكم ما تأتون وما تذرون. والثاني : لنبيّن لكم في القرآن بدوّ خلقكم ، وتنقّل أحوالكم. والثالث : لنبيّن لكم كمال حكمتنا وقدرتنا في تقليب أحوال خلقكم. والرابع : لنبيّن لكم أنّ البعث حقّ.
وقرأ أبو عمران الجوني ، وابن أبي عبلة : «ليبيّن لكم» بالياء.
قوله تعالى : (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ) وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء : «ويقرّ» بياء مرفوعة وفتح القاف ورفع الراء. وقرأ أبو الجوزاء ، وأبو إسحاق السّبيعيّ : «ويقرّ» بياء مرفوعة وبكسر القاف ونصب الراء. والذي يقرّ في الأرحام ، هو الذي لا يكون سقطا ، (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو أجل الولادة (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) قال أبو عبيدة : هو في موضع أطفال ، والعرب قد تضع لفظ الواحد في معنى الجميع ، قال الله تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) (٢) أي : ظهراء ، وأنشد :
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله ٩ / ١١١ : وأولى الأقوال بالصواب قول من قال : المخلّقة : المصورة خلقا تاما ، وغير مخلّقة : السقط قبل تمام خلقه ، لأن المخلقة وغير المخلقة من نعت المضغة والنطفة بعد مصيرها مضغة ، لم يبق لها حتى تصير خلقا سويا إلا التصوير.
(٢) سورة التحريم : ٤.