فقلنا أسلموا إنّا أخوكم |
|
فقد برئت من الإحن الصّدور (١) |
وأنشد أيضا :
في خلقكم عظم وقد شجينا
وقال غيره : إنما قال : «طفلا» فوحّد ، لأنّ الميم في قوله تعالى : (نُخْرِجُكُمْ) قد دلّت على الجميع ، فلم يحتج إلى أن يقول : أطفالا. قوله تعالى : (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا) فيه إضمار ، تقديره : ثم نعمركم لتبلغوا أشدّكم ، وقد سبق معنى «الأشد» (٢) ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى) من قبل بلوغ الأشدّ (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) وقد شرحناه في النّحل (٣).
ثم إنّ الله تعالى دلّهم على إحيائه الموتى بإحيائه الأرض ، فقال تعالى : (وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً) قال ابن قتيبة : أي : ميتة يابسة ، ومثله : همدت النار : إذا طفئت فذهبت. قوله تعالى : (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ) يعني : المطر (اهْتَزَّتْ) أي : تحرّكت للنّبات ، وذلك أنها ترتفع عن النّبات إذا ظهر ، فهو معنى قوله تعالى : (وَرَبَتْ) أي : ارتفعت وزادت. وقال المبرّد : أراد : اهتزّ نباتها وربا ، فحذف المضاف. قال الفرّاء : وقرأ أبو جعفر المدنيّ : «وربأت» بهمزة مفتوحة بعد الباء. فإن كان ذهب إلى الرّبيئة الذي يحرس القوم ، أي : أنه يرتفع ، وإلّا ، فهو غلط. قوله تعالى : (وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) قال ابن قتيبة : من كلّ جنس حسن يبهج ، أي : يسرّ ، وهو فعيل في معنى فاعل.
قوله تعالى : (ذلِكَ) قال الزّجّاج : المعنى : الأمر ذلك كما وصف لكم. والأجود أن يكون موضع «ذلك» رفعا ، ويجوز أن يكون نصبا على معنى : فعل الله ذلك بأنه هو الحقّ.
قوله تعالى : (وَأَنَّ السَّاعَةَ) أي : ولتعلموا أنّ الساعة (آتِيَةٌ).
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٨) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٩) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٠))
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ) قد سبق بيانه. وهذا ممّا نزل في النّضر أيضا. والهدى : البيان والبرهان. قوله تعالى : (ثانِيَ عِطْفِهِ) العطف : الجانب. وعطفا الرجل : جانباه عن يمين وشمال ، وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان ويلويه عند إعراضه عن المشي. قال الزّجّاج : «ثاني» منصوب على الحال ، ومعناه : التّنوين ، معناه : ثانيا عطفه. وجاء في التفسير : أنّ معناه : لاويا عنقه ، وهذا يوصف به المتكبّر ، والمعنى : ومن الناس من يجادل بغير علم متكبّرا. قوله تعالى : (لِيُضِلَ) أي : ليصير أمره إلى الضّلال ، فكأنّه وإن لم يقدّر أنه يضلّ ، فإنّ أمره يصير إلى ذلك ، (لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) وهو ما أصابه يوم بدر ، وذلك أنه قتل. وما بعد هذا قد سبق تفسيره (٤) إلى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) وفي سبب نزول هذه الآية قولان : أحدهما : أنّ ناسا من العرب كان يأتون
__________________
(١) البيت لعباس بن مرداس ، كما في «الخزانة» ١ / ٧٣ و «الأغاني» ١ / ٧٣.
(٢) سورة الأنعام : ١٥٣.
(٣) سورة النحل : ٧٠.
(٤) سورة يونس : ٧٠.