لا يعقل. قوله تعالى : (وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) يعني : المؤمنين الذين يسجدون لله. وفي قوله تعالى : (وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ) قولان : أحدهما : أنهم الكفّار ، وهم يسجدون ، وسجودهم سجود ظلّهم ، قاله مقاتل. والثاني : أنهم لا يسجدون ؛ والمعنى : وكثير من الناس أبى السّجود ، فحقّ عليه العذاب ، لتركه السّجود ، هذا قول الفرّاء.
قوله تعالى : (وَمَنْ يُهِنِ اللهُ) أي : من يشقه الله فما له من مسعد ، (إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ) في خلقه من الكرامة والإهانة.
(هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ (١٩) يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (٢٠) وَلَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٢٢))
قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ) اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال (١) :
(١٠٠٥) أحدها : أنها نزلت في النّفر الذين تبارزوا للقتال يوم بدر ، حمزة ، وعليّ ، وعبيدة بن الحارث ، وعتبة وشيبة ابني ربيعة ، والوليد بن عتبة ، هذا قول أبي ذرّ.
(١٠٠٦) والثاني : أنها نزلت في أهل الكتاب ، قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله ، وأقدم منكم كتابا ، ونبيّنا قبل نبيّكم ، وقال المؤمنون : نحن أحقّ بالله ، آمنّا بمحمّد ، وآمنّا بنبيكم وبما أنزل الله من كتاب ، وأنتم تعرفون نبينا ثم كفرتم به حسدا ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس ، وقتادة.
والثالث : أنها في جميع المؤمنين والكفّار ، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن وعطاء ، ومجاهد. والرابع : أنها نزلت في اختصام الجنّة والنّار ، فقالت النّار : خلقني الله لعقوبته ، وقالت الجنّة : خلقني الله لرحمته ، قاله عكرمة.
فأما قوله تعالى : (هذانِ) وقرأ ابن عباس وابن جبير ومجاهد وعكرمة وابن كثير : «هاذان» بتشديد النون «خصمان» ، فمعناه : جمعان وليسا برجلين ، ولهذا قال تعالى : (اخْتَصَمُوا) ولم يقل :
____________________________________
(١٠٠٥) صحيح. أخرجه البخاري ٨ / ٣٩٦ و ٣٩٦٩ و ٣٩٦٦ ومسلم ٣٠٣٣ والنسائي في «التفسير» ٣٦١ وابن ماجة ٢٨٣٥ والطبري ٢٤٩٧٩ والواحدي في «أسباب النزول» ٦١٩ والبغوي ٢٧٠١ من حديث أبي ذر.
(١٠٠٦) ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٢٤٩٨٤ عن ابن عباس برواية العوفي عنه ، وهي رواية واهية ، العوفي واسمه عطية بن سعد وهو واه ، وعنه مجاهيل.
__________________
وروى أحمد في حديث الكسوف : «إن الشمس والقمر خلقان من خلق الله ، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكن الله إذا تجلّى لشيء من خلقه خشع له».
(١) قال الطبري رحمهالله ٩ / ١٢٤ : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، وأشيهها بتأويل الآية : قول من قال : عني بالخصمين : جميع الكفار من أي أصناف الكفار كانوا ، وجميع المؤمنين ووافقه ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٢٦٧ وقال : وهذا اختيار ابن جرير ، وهو حسن ويشمل الأقوال كلها ، وينتظم فيه قصة يوم بدر وغيرها ، فالمؤمنون يريدون نصرة دين الله ، والكافرون يريدون إطفاء نور الإيمان وخذلان الحق وظهور الباطل.