قوله تعالى : (وَشَجَرَةً) هي معطوفة على قوله : (جَنَّاتٍ). وقرأ أبو مجلز ، وابن يعمر ، وإبراهيم النّخعيّ : «وشجرة» بالرفع. والمراد بهذه الشّجرة : شجرة الزّيتون.
فإن قيل : لما ذا خصّ هذه الشجرة من بين الشّجر؟ فالجواب من أربعة أوجه :
أحدها : لكثرة انتفاعهم بها ، فذكّرهم من نعمه ما يعرفون ، وكذلك خصّ النّخيل والأعناب في الآية الأولى ، لأنهما كانا جلّ ثمار الحجاز وما والاها ، وكانت النّخيل لأهل المدينة ، والأعناب لأهل الطّائف. والثاني : لأنهم لا يكادون يتعاهدونها بالسّقي ، وهي تخرج الثّمرة التي يكون منها الدّهن. والثالث : أنها تنبت بالماء الذي هو ضدّ النار ، وفي ثمرتها حياة للنار ومادّة لها. والرابع : لأنّ أوّل زيتونة نبتت بذلك المكان فيما زعم مقاتل.
قوله تعالى : (طُورِ سَيْناءَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، «طور سيناء» مكسورة السين ، وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائيّ ، مفتوحة السين ، وكلّهم مدّها. قال الفرّاء : العرب تقول : سيناء ، بفتح السين في جميع اللغات ، إلّا بني كنانة ، فإنهم يكسرون السّين. قال أبو عليّ : ولا تنصرف هذه الكلمة ، لأنها جعلت اسما لبقعة أو أرض ، وكذلك «سينين» ولو جعلت اسما للمنزل أو للمكان أو نحو ذلك من الأسماء المذكّرة لصرفت ، لأنك كنت قد سمّيت مذكّرا بمذكّر. والطّور : الجبل. وفي معنى «سيناء» خمسة أقوال : أحدها : أنه بمعنى الحسن ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وقال الضّحّاك : «الطّور» : الجبل بالسّريانيّة ، و «سيناء» : الحسن بالنّبطيّة. وقال عطاء : يريد : الجبل الحسن. والثاني : أنه المبارك ، رواه العوفيّ عن ابن عباس. والثالث : أنه اسم حجارة بعينها ، أضيف الجبل إليها لوجودها عنده ، قاله مجاهد. والرابع : أن طور سيناء : الجبل المشجّر ، قاله ابن السّائب. والخامس : أنّ سيناء : اسم المكان الذي به هذا الجبل ، قاله الزّجّاج ؛ قال الواحدي : وهو أصحّ الأقوال (١) ؛ قال ابن زيد : وهذا هو الجبل الذي نودي منه موسى ، وهو بين مصر وأيلة.
قوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : «تنبت» برفع التاء وكسر الباء. وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائيّ بفتح التاء وضمّ الباء. قال الفرّاء : وهما لغتان : نبتت وأنبتت ، وكذلك قال الزّجّاج : يقال : نبت الشّجر وأنبت في معنى واحد ، قال زهير :
رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم |
|
قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل (٢) |
قال : ومعنى «تنبت بالدّهن» : تنبت ومعها دهن ، كما تقول : جاءني زيد بالسّيف ، أي : جاءني ومعه السّيف. وقال أبو عبيدة : معنى الآية : تنبت الدّهن ، والباء زائدة ، كقوله : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) (٣) وقد بيّنّا هذا المعنى هناك.
قوله تعالى : (وَصِبْغٍ) وقرأ ابن مسعود ، وابن مسعود ، وابن يعمر ، وإبراهيم النّخعيّ ، والأعمش : «وصبغا» بالنّصب. وقرأ ابن السّميفع : «وصباغ» بألف مع الخفض. قال ابن قتيبة : الصّبغ مثل الصّباغ ، كما يقال : دبغ ودباغ ، ولبس ولباس. قال المفسّرون : والمراد بالصّبغ ها هنا : الزّيت ، لأنه
__________________
(١) وهو اختيار الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٢٠٨ وقال : إنه الجبل الذي نودي منه موسى صلىاللهعليهوسلم وهو مع ذلك مبارك ، لا أن معنى سيناء معنى مبارك.
(٢) في «اللسان» : القطينة ، سكن الدار.
(٣) سورة الحج : ٢٥.