(١٠٣٣) ذكر أهل التفسير أنّ سبب نزولها أنّ امرأة من الأنصار جاءت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقالت : يا رسول الله ، إنّي أكون في بيتي على حال لا أحبّ أن يراني عليها أحد ، فلا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي ، فنزلت هذه الآية ؛ فقال أبو بكر بعد نزولها : يا رسول الله ، أفرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن ، فنزل قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) الآية.
ومعنى قوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ) أي : بيوتا ليست لكم. واختلف القرّاء في باء البيوت ، فقرأ بعضهم بضمّها ، وبعضهم بكسرها. وقد بيّنّا ذلك في سورة البقرة (١).
قوله تعالى : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) قال الفرّاء : في الكلام تقديم وتأخير ، تقديره : حتى تسلّموا وتستأنسوا. قال الزّجّاج : و «تستأنسوا» في اللغة ، بمعنى تستأذنوا ، وكذلك هو في التفسير ، والاستئذان : الاستعلام ، تقول : آذنته بكذا ، أي : أعلمته ، وآنست منه كذا ، أي : علمت منه ، ومثله : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) (٢) أي : علمتم. فمعنى الآية : حتى تستعلموا ، يريد أهلها أن تدخلوا ، أم لا؟ قال المفسّرون : وصفة الاستعلام أن تقول : السّلام عليكم ، أأدخل؟ ولا يجوز أن تدخل بيت غيرك إلّا بالاستئذان ، لهذه الآية ، (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) من أن تدخلوا بغير إذن (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أنّ الاستئذان خير فتأخذون به ، قال عطاء : قلت لابن عباس : أستأذن على أمّي وأختي ونحن في بيت واحد؟ قال : أيسرّك أن ترى منهنّ عورة؟ قال : لا ،. قال : فاستأذن.
قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها أَحَداً) أي : إن وجدتموها خالية (فَلا تَدْخُلُوها حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا) أي : إن ردّوكم فلا تقفوا على أبوابهم وتلازموها ، (هُوَ أَزْكى لَكُمْ) يعني : الرّجوع خير لكم وأفضل (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ) من الدخول بإذن وغير إذن (عَلِيمٌ).
فصل (٣) : وهل هذه الآية منسوخة ، أم لا؟ فيها قولان : أحدهما : أنّ حكمها عامّ في جميع
____________________________________
(١٠٣٣) ضعيف. أخرجه الواحدي ٦٣٨ من طريق الفريابي ، والطبري ٢٥٩٢١ كلاهما عن أشعث بن سوار عن عدي بن ثابت ، وإسناده ضعيف لضعف أشعث بن سوار ، ثم هو مرسل ، عدي تابعي. وهو عند الطبري دون آخره ، ـ وعند الواحدي قال : قال المفسّرون : فلما نزلت قال أبو بكر .. وانظر «تفسير الشوكاني» ١٧٤٠ و «تفسير القرطبي» ٤٥١٣ كلاهما بتخريجنا.
__________________
(١) عند الآية : ١٨٩.
(٢) سورة النساء : ٦.
(٣) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٣٤٧ : هذه آداب شرعية ، أدب الله بها عباده المؤمنين ، وذلك في الاستئذان ، أمر الله المؤمنين ألا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم حتى يستأنسوا ، أي : يستأذنوا قبل الدخول ، ويسلّموا بعده. وينبغي أن يستأذن ثلاثا ، فإن أذن له وإلا انصرف ، كما ثبت في الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا استأذن أحدكم ثلاثا ، فلم يؤذن له ، فلينصرف» ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ألا يقف تلقاء الباب بوجهه ، ولكن ليكن الباب عن يمينه أو يساره ، وفي الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو أن امرءا اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ، ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح». وقال مقاتل بن حيان في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها) : كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلّم عليه ، ويقول : حييت صباحا وحييت مساء وكان ذلك تحية القوم بينهم ، وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول : «قد دخلت»