القضاة على الأيتام. وفي القائلين لهذا قولان (١) : أحدهما : أنهم الملائكة يقولون للكفّار : حجرا محجورا ، أي : حراما محرّما. وفيما حرّموه عليهم قولان : أحدهما : البشرى ، فالمعنى : حرام محرّم أن تكون لكم البشرى ، قاله الضّحّاك ، والفرّاء وابن قتيبة ، والزّجّاج. والثاني : أن تدخلوا الجنّة ، قاله مجاهد. والثاني : أنه قول المشركين إذا عاينوا العذاب ، ومعناه الاستعاذة من الملائكة ، روي عن مجاهد أيضا. وقال ابن فارس : كان الرّجل إذا لقي من يخافه في الشهر الحرام ، قال : حجرا محجورا أي : حرام عليك أذاي ، فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة ، قالوا : حجرا محجورا ، يظنّون أنه ينفعهم كما كان ينفعهم في الدنيا.
قوله تعالى : (وَقَدِمْنا) قال ابن قتيبة : أي : قصدنا وعمدنا ، والأصل أنّ من أراد القدوم إلى موضع عمد له وقصده. قوله تعالى : (إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ) أي : من أعمال الخير (فَجَعَلْناهُ هَباءً) لأنّ العمل لا يتقبّل مع الشّرك. وفي الهباء خمسة أقوال (٢) : أحدها : أنه ما رأيته يتطاير في الشمس التي تدخل في الكوّة مثل الغبار ، قاله عليّ رضي الله عنه ، والحسن ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، واللغويون ؛ والمعنى أنّ الله أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء. والثاني : أنه الماء المهراق ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث : أنه ما تنسفه الرّياح وتذريه من التراب وحطام الشجر ، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس. والرابع : أنه الشّرر الذي يطير من النار إذا أضرمت ، فإذا وقع لم يكن شيئا ، رواه عطيّة عن ابن عباس. والخامس : أنه ما يسطع من حوافر الدّواب ، قاله مقاتل. والمنثور : المتفرّق.
قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ) أي : يوم القيامة ، (خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) أفضل منزلا من المشركين (وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) قال الزّجّاج : المقيل : المقام وقت القائلة ، وهو النّوم نصف النهار. وقال الأزهريّ : القيلولة عند العرب : الاستراحة نصف النهار إذا اشتدّ الحرّ وإن لم يكن مع ذلك نوم. وقال ابن مسعود ، وابن عباس : لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار.
__________________
(١) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٣٧٨ : يقول تعالى ذكره : يوم يرى هؤلاء الذين قالوا (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) بتصديق محمد الملائكة ، فلا بشرى لهم بخير (وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) يعني أن الملائكة يقولون للمجرمين حجرا محجورا ، حراما محرّما عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله. وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك لأن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر أن البشرى عليهم حرام.
ووافقه ابن كثير رحمهالله ٣ / ٣٩٠.
(٢) قال ابن كثير رحمهالله في «تفسيره» ٣ / ٣٩١ : وحاصل هذه الأقوال التنبيه على مضمون الآية ، وذلك أنهم عملوا أعمالا اعتقدوا أنها شيء ، فلما عرضت على الملك الحكيم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحدا ، إذ إنها لا شيء بالكلية. وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق ، الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية ، كما قال تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ). وقال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) وهذا يوم القيامة ، حين يحاسب الله العباد على ما عملوه من خير وشرّ فأخبر أنه لا يتحصل لهؤلاء المشركين من الأعمال التي ظنوا أنها منجاة لهم شيء وذلك لأنها فقدت الشرط الشرعي ، إما الإخلاص فيها ، وإما المتابعة لشرع الله. فكل عمل لا يكون خالصا وعلى الشريعة المرضية ، فهو باطل. فأعمال الكفار لا تخلو من واحد من هذين ، وقد تجمعهما معا ، فتكون أبعد من القبول حينئذ.