يخالطه مرارة ، ويقال ماء ملح ، ولا يقال مالح ، والبرزخ : الحاجز. وفي هذا الحاجز قولان : أحدهما : أنه مانع من قدرة الله تعالى ، قاله الأكثرون ، قال الزّجّاج : فهما في مرأى العين مختلطان ، وفي قدرة الله منفصلان لا يختلط أحدهما بالآخر. قال أبو سليمان الدمشقي : ورأيت عند عبّادان من سواد البصرة الماء العذب ينحدر في دجلة نحو البحر ، ويأتي المدّ من البحر ، فيلتقيان ، فلا يختلط أحد الماءين بالآخر ، يرى ماء البحر إلى الخضرة الشديدة ، وماء دجلة إلى الحمرة الخفيفة فيأتي المستقي فيغرف من ماء دجلة عذبا لا يخالطه شيء ، وإلى جانبه ماء البحر في مكان واحد. والثاني : أنّ الحاجز : الأرض واليبس ، وهو قول الحسن ، والأول أصحّ.
قوله تعالى : (وَحِجْراً مَحْجُوراً) قال الفرّاء : أي : حراما محرّما أن يغلب أحدهما صاحبه.
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً) أي : من النطفة بشرا أي : إنسانا (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً) أي : ذا نسب وصهر. قال عليّ عليهالسلام : النّسب : ما لا يحلّ نكاحه ، والصّهر : ما يحلّ نكاحه. وقال الضّحّاك : النّسب سبع ، وهو قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) إلى قوله تعالى : (وَبَناتُ الْأُخْتِ) ، والصّهر خمس ، وهو قوله : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) إلى قوله : (مِنْ أَصْلابِكُمْ) (١). وقال طاوس : الرّضاعة من الصّهر. وقال ابن قتيبة : «نسبا» أي : قرابة النّسب ، «وصهرا» أي : قرابة النّكاح. وكلّ شيء من قبل الزّوج ، مثل الأب والأخ ، فهم الأحماء ، واحدهم حما ، مثل : قفا ، وحمو مثل أبو ، وحمء مهموز ساكن الميم ، وحم مثل أب. وحماة المرأة : أمّ زوجها ، لا لغة فيها غير هذه ، وكلّ شيء من قبل المرأة ، فهم الأختان. والصّهر يجمع ذلك كلّه. وحكى ابن فارس عن الخليل ، أنه قال : لا يقال لأهل بيت الرجل إلّا أختان ، ولأهل بيت المرأة إلّا أصهار. ومن العرب من يجعلهم أصهارا كلّهم. والصّهر : إذابة الشيء. وذكر الماوردي أنّ المناكح سمّيت صهرا ، لاختلاط الناس بها كما يختلط الشيء إذا صهر.
قوله تعالى : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) فيه أربعة أقوال (٢) : أحدها : معينا للشيطان على ربّه ، لأنّ عبادته الأصنام معاونة للشيطان. والثاني : معينا للمشركين على أن لا يوحّدوا الله تعالى. والثالث : معينا على أولياء ربّه. والرابع : وكان الكافر على ربّه هيّنا ذليلا ، من قولك : ظهرت بفلان : إذا جعلته وراء ظهرك ولم تلتفت إليه. قالوا : والمراد بالكافر ها هنا أبو جهل.
(وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (٥٦) قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (٥٧) وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً (٥٨) الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً (٥٩) وَإِذا
__________________
(١) النساء : ٢٣.
(٢) قال الطبري رحمهالله في «تفسيره» ٩ / ٤١٠ : يقول الله تعالى ذكره ، ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهة لا تنفعهم إذا عبدوها ولا تضرهم إذا تركوا عبادتها ، ويتركون عبادة من أنعم عليهم هذه النعم التي لا كفاء لأدناها ، ومن إذا أراد عقاب بعض من عصاه من عباده أحل به ما أحل بالذين وصف صفتهم من قوم فرعون وعاد وثمود وأصحاب الرس ، فلم يكن لمن غضب عليه عنه ناصر ، ولا له عنه دافع (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) فكان الكافر معينا للشيطان على ربه ، مظاهرا له على معصيته.