ابن قتيبة ، والزّجّاج. قال ابن قتيبة : وأهل النّظر يرون أنه مأخوذ من العقب ..
قوله تعالى : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) أي : لا يخافون عندي. وقيل : المراد : في الموضع الذي يوحى إليهم فيه ، فكأنه نبّهه على أنّ من آمنة الله بالنبوّة من عذابه لا ينبغي أن يخاف من حيّة. وفي قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ثلاثة أقوال (١) :
أحدها : أنه استثناء صحيح ، قاله الحسن ، وقتادة ، ومقاتل ؛ والمعنى : إلّا من ظلم منهم فإنه يخاف. قال ابن قتيبة : علم الله تعالى أنّ موسى مستشعر خيفة من ذنبه في الرّجل الذي وكزه ، فقال : «إلّا من ظلم ثمّ بدّل حسنا» أي : توبة وندما ، فإنه يخاف ، وإني غفور رحيم.
والثاني : أنه استثناء منقطع ؛ والمعنى : لكنّ من ظلم فإنه يخاف ، قاله ابن السّائب ؛ والزّجّاج. وقال الفرّاء : «من» مستثناة من الذين تركوا في الكلام ، كأنه قال : لا يخاف لديّ المرسلون ، إنما الخوف على غيرهم ، إلّا من ظلم ، فتكون «من» مستثناة. وقال ابن جرير : في الآية محذوف ، تقديره : إلّا من ظلم ، فمن ظلم ثم بدّل حسنا.
والثالث : أنّ «إلّا» بمعنى الواو ، فهو كقوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) (٢) ، حكاه الفرّاء عن بعض النحويين ، ولم يرضه.
وقرأ أبيّ بن كعب ، وسعيد بن جبير ، والضّحّاك ، وعاصم الجحدري ، وابن يعمر : «ألا من ظلم» بفتح الهمزة وتخفيف اللام. وللمفسّرين في المراد بالظّلم ها هنا قولان (٣) :
أحدهما : المعاصي. والثاني : الشّرك. ومعنى «حسنا» توبة وندما.
وقرأ ابن مسعود ، والضّحّاك ، وأبو رجاء ، والأعمش ، وابن السّميفع ، وعبد الوارث عن أبي عمرو : «حسنا» بفتح الحاء والسين (بَعْدَ سُوءٍ) أي : بعد إساءة ، وقيل : الإشارة بهذا إلى أنّ موسى وإن كان قد ظلم نفسه بقتل القبطيّ ، فإنّ الله يغفر له ، لأنه ندم على ذلك وتاب.
قوله تعالى : (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ) الجيب حيث جيب من القميص ، أي : قطع. قال ابن جرير : إنّما أمر بإدخال يده في جيبه ، لأنه كان عليه حينئذ مدرعة من صوف ليس لها كمّ. والسّوء : البرص. قوله تعالى : (فِي تِسْعِ آياتٍ) قال الزّجّاج : «في» من صلة قوله : «وألق عصاك» «وأدخل يدك» ، فالتأويل :
__________________
(١) قال الزمخشري في «الكشاف» ٣ / ٣٥٦ : و (إِلَّا) بمعنى لكن ، لأنه لما أطلق نفي الخوف عن الرسل كان مظنّة لطروق الشبهة ، فاستدرك ذلك. والمعنى : ولكن من ظلم منهم أي فرطت منه صغيرة مما يجوز على الأنبياء ، كالذي فرط من آدم ويونس وداود وسليمان وإخوة يوسف ، ومن موسى بوكزه القبطي ، وسماه ظلما ، كما قال موسى : (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي) ـ القصص : ١٦ ـ والحسن ، والسوء : حسن التوبة ، وقبح الذنب. وقال الطبري في «تفسيره» ٩ / ٥٠٠ : والصواب من القول في قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ) أنه استثناء صحيح وهو قول الحسن البصري وابن جريج ومن قال قولهما. وقال ابن كثير في «تفسيره» ٣ / ٤٤٣ : وهذا استثناء منقطع ، وفيه بشارة عظيمة للبشر ، وذلك أن من كان على شيء ثم أقلع عنه ورجع وأناب. فإن الله يتوب عليه كما قال تعالى (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) والآيات في هذا كثيرة.
(٢) البقرة : ١٥٠.
(٣) تقدم معنى الظلم بقول الزمخشري رحمهالله ، وابن كثير رحمهالله.