يَنْطِقُونَ) بحجّة عن أنفسهم. ثم احتجّ عليهم بالآية التي تلي هذه. ومعنى قوله تعالى : (وَالنَّهارَ مُبْصِراً) يبصر فيه لابتغاء الرّزق.
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (٨٩) وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٠))
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) قال ابن عباس : هذه النّفخة الأولى.
قوله تعالى : (فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) قال المفسّرون : المعنى : فيفزع من في السّموات ومن في الأرض ، والمراد أنهم ماتوا ، بلغ بهم الفزغ إلى الموت.
وفي قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) ثلاثة أقوال : أحدها : أنهم الشهداء ، قاله أبو هريرة ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير. والثاني : جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، ثم إنّ الله تعالى يميتهم بعد ذلك ، قاله مقاتل. والثالث : أنهم الذين في الجنة من الحور وغيرهنّ ، وكذلك من في النار ، لأنهم خلقوا للبقاء ، ذكره أبو إسحاق بن شاقلا من أصحابنا. قوله تعالى : (وَكُلٌ) أي : من الأحياء الذين ماتوا ثم أحيوا «آتوه» وقرأ حمزة وحفص عن عاصم : «أتوه» بفتح التاء مقصورة ، أي : يأتون الله يوم القيامة (داخِرِينَ) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : صاغرين. قال أبو عبيدة : «كلّ» لفظه لفظ الواحد ، ومعناه يقع على الجميع ، فهذه الآية في موضع جمع.
قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ) قال ابن قتيبة : هذا يكون إذا نفخ في الصّور ، تجمع الجبال وتسيّر فهي لكثرتها تحسب (جامِدَةً) أي : واقفة (وَهِيَ تَمُرُّ) أي : تسير سير السّحاب ، وكذلك كلّ جيش عظيم يحسبه النّاظر من بعيد واقفا وهو يسير ، لكثرته ، قال الجعديّ يصف جيشا :
بأرعن مثل الطّود تحسب أنّهم |
|
وقوف لحاج والرّكاب تهملج (١) |
قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ) قال الزّجّاج : هو منصوب على المصدر ، لأنّ قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً) دليل على الصّنعة ، فكأنه قال : صنع الله ذلك صنعا ، ويجوز الرفع على معنى : ذلك صنع الله. فأمّا الإتقان ، فهو في اللغة : إحكام الشيء.
قوله تعالى : (إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «يفعلون» بالياء. وقرأ نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائيّ بالتاء.
قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ) قد شرحنا الحسنة والسيّئة في آخر الأنعام (٢). وفي قوله تعالى : (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) قولان : أحدهما : فله خير منها يصل إليه ، وهو الثواب ، قاله ابن عباس والحسن
__________________
(١) الرّعن : الأنف العظيم من الجبل تراه متقدما ، ويقال : الجيش الأرعن : هو المضطرب لكثرته. والطود : الجبل العظيم. والحاج : جمع حاجة. والهملجة والهملاج : حسن سير الدابة في سرعة.
(٢) الأنعام : ١٦٠.