سورة القصص
وهي مكّيّة كلّها غير آية منها ، وهي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) (١) فإنها نزلت عليه وهو بالجحفة في وقت خروجه للهجرة ، هذا قول ابن عباس. وروي عن الحسن ، وعطاء ، وعكرمة : أنها مكّيّة كلّها. وزعم مقاتل : أنّ فيها من المدنيّ : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢)) إلى قوله تعالى : (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (٢) وفيها آية ليست بمكّيّة ولا مدنيّة وهي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) نزلت بالجحفة.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦))
قوله تعالى : (طسم) قد سبق تفسيره (٣). قوله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) أي : طغى وتجبّر في أرض مصر (وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً) أي : فرقا وأصنافا في خدمته (يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) وهم بنو إسرائيل ، واستضعافه إيّاهم : استعبادهم ، (إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) بالقتل والعمل بالمعاصي. (يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ) وقرأ أبو رزين ، والزّهري ، وابن محيصن ، وابن أبي عبلة : «يذبح» بفتح الياء وسكون الذال خفيفة. قوله تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَ) أي : ننعم (عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا) وهم بنو إسرائيل ، (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) يقتدى بهم في الخير ؛ وقال قتادة : ولاة وملوكا (وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) لملك فرعون بعد غرقه. قوله تعالى : (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما) وقرأ حمزة ، والكسائيّ ، وخلف : «ويرى» بياء مفتوحة وإمالة الألف التي بعد الراء «فرعون وهامان وجنودهما» بالرفع. ومعنى الآية : أنهم أخبروا أنّ هلاكهم على يدي رجل من بني إسرائيل ، فكانوا على وجل منهم ، فأراهم الله ما كانوا يحذرون.
__________________
(١) القصص : ٨٥.
(٢) القصص : ٥٥.
(٣) مضى الكلام على ذلك في أول سورة البقرة.