الياء وكسر الدال ، أرادوا : حتى يردّ الرّعاء غنمهم عن الماء. والرّعاء : جمع راع ، كما يقال : صاحب وصحاب. وقرأ عكرمة وسعيد بن جبير وابن يعمر وعاصم الجحدري : «الرّعاء» بضمّ الراء ، والمعنى : نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال ، (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر ؛ فلذلك احتجنا نحن إلى أن نسقي ، وكان على تلك البئر صخرة عظيمة ، فإذا فرغ الرّعاء من سقيهم أعادوا الصخرة ، فتأتي المرأتان إلى فضول حياض الرّعاء فتسقيان غنمهما. (فَسَقى) موسى (لَهُما). وفي صفة ما صنع قولان : أحدهما : أنه ذهب إلى بئر أخرى عليها صخرة لا يقتلعها إلّا جماعة من الناس ، فاقتلعها وسقى لهما ، قاله عمر بن الخطّاب وشريح. والثاني : أنه زاحم القوم على الماء وسقى لهما ، قاله ابن إسحاق ، والمعنى : سقى غنمهما لأجلهما.
(ثُمَّ تَوَلَّى) أي : انصرف (إِلَى الظِّلِ) وهو ظلّ شجرة (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما) اللام بمعنى إلى ، فتقديره : إنّي إلى ما (أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) وأراد بالخير : الطّعام. وحكى ابن جرير أنه أسمع المرأتين هذا الكلام تعريضا أن تطعماه. (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) المعنى : فلمّا شربت غنمهما رجعتا إلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى ، فبعث إحداهما تدعو موسى. وفيها قولان : أحدهما : الصّغرى. والثاني : الكبرى. فجاءته (تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) قد سترت وجهها بكمّ درعها. وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال : أحدها : أنه كان من صفتها الحياء ، فهي تمشي مشي من لم تعتد الخروج والدّخول. والثاني : لأنها دعته لتكافئه ، وكان الأجمل عندها أن تدعوه من غير مكافأة. والثالث : لأنّها رسول أبيها.
قوله تعالى : (لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) قال المفسّرون : لمّا سمع موسى هذا القول كرهه وأراد أن لا يتبعها ، فلم يجد بدّا للجهد الذي به من اتّباعها ، فتبعها ، فكانت الرّيح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها ، فناداها : يا أمة الله ، كوني خلفي ودلّيني الطريق (فَلَمَّا جاءَهُ) أي : جاء موسى شعيبا (وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ) أي : أخبره بأمره من حين ولد والسبب الذي أخرجه من أرضه (قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي : لا سلطان لفرعون بأرضنا ولسنا في مملكته. (قالَتْ إِحْداهُما) وهي الكبرى : (يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) أي : اتّخذه أجيرا (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أي : خير من استعملت على عملك من قوي على عملك وأدّى الأمانة ؛ وإنّما سمّته قويّا ، لرفعه الحجر على رأس البئر ، وقيل : لأنه استقى بدلو لا يقلّها إلّا العدد الكثير من الرجال ، وسمّته أمينا ، لأنه أمرها أن تمشي خلفه. وقال السّدّيّ : قال لها شعيب : قد رأيت قوّته ، فما يدريك بأمانته؟ فحدّثته. قال المفسّرون : فرغب فيه شعيب ، فقال له : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ) أي : أزوّجك (١) (إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي
__________________
(١) قال القرطبي في «التفسير» ١٣ / ٢٧٢ : استدل أصحاب الشافعي بهذه الآية على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح ، وبه قال ربيعة وأبو ثور وأبو عبيد وداود ومالك على اختلاف منه. وقال علماؤنا في المشهور : ينعقد النكاح بكل لفظ. وقال أبو حنيفة. ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد.
ـ وقال الإمام الموفق في «المغني» ٩ / ٤٦٠ : وينعقد النكاح بلفظ الإنكاح والتزويج والجواب عنهما إجماعا ، وهما اللذان ورد بهما نص الكتاب في قوله تعالى : (زَوَّجْناكَها) وقوله سبحانه (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) ولا ينعقد بغير لفظ الإنكاح والتزويج ، وبهذا قال ابن المسيب وعطاء والزهري وربيعة والشافعي.
وقال الثوري والحسن بن صالح وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور وأبو عبيد وداود : ينعقد بلفظ الهبة والصدقة والبيع والتمليك ، وفي لفظ الإجارة روايتان عن أبي حنيفة ، وقال مالك ينعقد بذلك إذا ذكر المهر اه ملخصا.