صفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيكرهون ذلك ويعرضون عنه ، قاله ابن زيد. وهل هذا منسوخ ، أم لا؟ فيه قولان. وفي قوله تعالى : (وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) قولان : أحدهما : لنا ديننا ولكم دينكم. والثاني : لنا حلمنا ولكم سفهكم. (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) قال الزّجّاج : لم يريدوا التّحيّة ، وإنّما أرادوا : بيننا وبينكم المتاركة ، وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال. وذكر أهل التّفسير ، أنّ هذا منسوخ بآية السّيف. وفي قوله تعالى : (لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) ثلاثة أقوال : أحدها : لا نبتغي دين الجاهلين. والثاني : لا نطلب مجاورتهم. والثالث : لا نريد أن نكون جهّالا ؛ والله أعلم
(إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨))
قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) قد ذكرنا سبب نزولها عند قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) (١).
(١٠٧٨) وقد روى مسلم فيما انفرد به عن البخاريّ من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمّه : «قل : لا إله إلّا الله ، أشهد لك بها يوم القيامة» ، فقال : لو لا أن تعيّرني نساء قريش ، يقلن : إنّما حمله على ذلك الجزع ، لأقررت بها عينك ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ). قال الزّجّاج : أجمع المفسّرون أنها نزلت في أبي طالب.
وفي قوله تعالى : (مَنْ أَحْبَبْتَ) قولان : أحدهما : من أحببت هدايته. والثاني : من أحببته لقرابته. (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أي : يرشد لدينه من يشاء (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) أي : بمن قدّر له الهدى.
قوله تعالى : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ) قال ابن عباس في رواية العوفيّ : هم ناس من قريش قالوا ذلك. وقال في رواية ابن أبي مليكة : إنّ الحارث بن عامر بن نوفل قال ذلك.
(١٠٧٩) وذكر مقاتل أنّ الحارث بن عامر قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنّا لنعلم أنّ الذي تقول حقّ ، ولكن يمنعنا أن نتّبع الهدى معك مخافة أن تتخطّفنا العرب من أرضنا ، يعنون مكة.
____________________________________
(١٠٧٨) صحيح. أخرجه مسلم ٤١ ، ٤٢ والترمذي ٣١٨٨ وأحمد ٢ / ٤٣٤ والواحدي في «أسباب النزول» ٦٦٢ من حديث أبي هريرة دون كلمة «نساء» وقد انفرد مسلم بروايته بهذا اللفظ مختصرا.
ـ وقد مضى تخريجه بأطول منه في سورة التوبة عند الآية ١١٣. متفق عليه.
(١٠٧٩) ضعيف. عزاه المصنف لمقاتل ، وهو متهم ، لكن ورد من وجه آخر. أخرجه النسائي في «الكبرى» ١١٣٨٥ من طريق عمرو بن شعيب عن ابن عباس ، وهو منقطع ، قال النسائي : ولم يسمعه منه ، أي لم يسمع عمرو من ابن عباس. فالإسناد ضعيف ، ولا يصح هذا الخبر.
__________________
(١) التوبة : ١١٣.