يكرمون ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني : ينعمون ، قاله مجاهد ، وقتادة. وقال الزّجّاج : والحبرة في اللغة : كلّ نغمة حسنة. والثالث : يفرحون ، قاله السّدّيّ. وقال ابن قتيبة : «يحبرون» يسرّون ، والحبرة ؛ السّرور. والرابع : أنّ الحبر : السّماع في الجنّة ، فإذ أخذ أهل الجنّة في السّماع ، لم تبق شجرة إلّا وردّت ، قاله يحيى بن أبي كثير. وسئل يحيى بن معاذ : أيّ الأصوات أحسن؟ فقال : مزامير أنس ، في مقاصير قدس ، بألحان تحميد ، في رياض تمجيد (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (١).
قوله تعالى : (فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ) أي : هم حاضرون العذاب أبدا لا يخفّف عنهم.
(فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (١٧) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (١٨) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩))
ثم ذكر ما تدرك به الجنّة ويتباعد به من النّار فقال : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ) قال المفسّرون : المعنى : فصلّوا لله عزوجل حين تمسون ، أي : حين تدخلون في المساء (وَحِينَ تُصْبِحُونَ) أي : تدخلون في الصّباح ، و (تُظْهِرُونَ) تدخلون في الظّهيرة ، وهي وقت الزّوال ، (وَعَشِيًّا) أي : وسبّحوه عشيّا. وهذه الآية قد جمعت الصّلوات الخمس ، فقوله تعالى : «حين تمسون» يعني به صلاة المغرب والعشاء ، «وحين تصبحون» يعني به صلاة الفجر ، «وعشيّا» العصر ، و «حين تظهرون» الظّهر. قوله تعالى : (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال ابن عباس : يحمده أهل السّموات وأهل الأرض ويصلّون له. قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) فيه أقوال قد ذكرناها في سورة آل عمران (٢). قوله تعالى : (وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) أي : يجعلها منبتة بعد أن كانت لا تنبت ، وتلك حياتها (وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : «تخرجون» بضمّ التاء ، وفتحها حمزة والكسائيّ ؛ والمراد : تخرجون يوم القيامة من الأرض ، أي : كما أحيا الأرض بالنّبات يحييكم بالبعث.
(وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (٢٠) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٢٤) وَمِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (٢٥) وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ (٢٦) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ
__________________
(١) القمر : ٥٥.
(٢) آل عمران : ٢٧.