إنّ الّذي سمك السّماء بنى لنا |
|
بيتا دعائمه أعزّ وأطول |
وقال معن بن أوس المزني :
لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل |
|
على أينا تغدو المنيّة أوّل (١) |
أي : وإنّي لوجل ، وقال غيره :
أصبحت أمنحك الصّدود وإنّني |
|
قسما إليك مع الصّدود لأميل (٢) |
وأنشدوا أيضا :
تمنّى رجال أن أموت وإن أمت |
|
فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
أي : بواحد ، هذا قول أبي عبيدة ، وهو مرويّ عن الحسن ، وقتادة. وقرأ أبيّ بن كعب ، وأبو عمران الجوني ، وجعفر بن محمّد : «وهو هيّن عليه». والثالث : أنه خاطب العباد بما يعقلون ، فأعلمهم أنه يجب أن يكون عندهم البعث أسهل من الابتداء في تقديرهم وحكمهم ، فمن قدر على الإنشاء كان البعث أهون عليه ، هذا اختيار الفرّاء ، والمبرّد ، والزّجّاج ، وهو قول مقاتل. وعلى هذه الأقوال الثلاثة تكون الهاء في «عليه» عائدة إلى الله عزوجل. والرابع : أنّ الهاء تعود على المخلوق ، لأنه خلقه نطفة ثم علقة ثم مضغة ، ويوم القيامة يقول له كن فيكون ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وهو اختيار قطرب. قوله تعالى : (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى) قال المفسّرون : أي : له الصّفة العليا (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) وهي أنّه لا إله غيره.
قوله تعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً) سبب نزولها أنّ أهل الجاهلية كانوا يلبّون فيقولون : لبّيك لا شريك لك إلّا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، فنزلت هذه الآية ، قاله سعيد بن جبير ، ومقاتل. ومعنى الآية : بيّن لكم أيّها المشركون شبها ، وذلك الشّبه (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) ثم بيّنه فقال : (هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي : من عبيدكم (مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ) من المال والأهل والعبيد ، أي : هل يشارككم عبيدكم في أموالكم (فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ) أي : أنتم وشركاؤكم من عبيدكم سواء (تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي : كما تخافون أمثالكم من الأحرار ، وأقرباءكم كالآباء والأبناء؟ قال ابن عباس : تخافونهم أن يرثوكم كما يرث بعضكم بعضا؟ وقال غيره : تخافونهم أن يقاسموكم أموالكم كما يفعل الشّركاء؟ والمعنى : هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكه في ماله وأهله حتى يساويه في التّصرّف في ذلك ، فهو يخاف أن ينفرد في ماله بأمر يتصرّف فيه كما يخاف غيره من الشّركاء الأحرار؟ ، فإذا لم ترضوا ذلك لأنفسكم ، فلم عدلتم بي من خلقي من هو مملوك لي؟! (كَذلِكَ) أي : كما بيّنّا هذا المثل (نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) عن الله تعالى. ثم بيّن أنّهم إنّما اتّبعوا الهوى في إشراكهم ، فقال : (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي : أشركوا بالله (أَهْواءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللهُ) وهذا يدلّ على أنهم إنما أشركوا بإضلال الله إيّاهم (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي : مانعين من عذاب الله تعالى.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ
__________________
(١) في «اللسان» : الوجل : الفزع والخوف.
(٢) البيت للأحوص.