نافع وابن عامر برفعها. وقرأ حمزة والكسائيّ : «علّام الغيب» بالكسر ولام قبل الألف. قال أبو عليّ : من كسر فعلى معنى : الحمد لله عالم الغيب ؛ ومن رفع جاز أن يكون «عالم الغيب» خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو عالم الغيب ، ويجوز أن يكون ابتداء خبره (لا يَعْزُبُ عَنْهُ) ؛ و «علّام» أبلغ من «عالم». وقرأ الكسائيّ وحده : «لا يعزب» بكسر الزاي ؛ وهما لغتان.
قوله تعالى : (وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ) وقرأ ابن السّميفع ، والنّخعيّ ، والأعمش : «ولا أصغر من ذلك ولا أكبر» بالنصب فيهما. قوله تعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) قال الزّجّاج : المعنى : بل وربّي لتأتينّكم المجازاة ، وقال ابن جرير : المعنى : أثبت مثقال الذّرّة وأصغر منه في كتاب مبين ، ليجزي الذين آمنوا ، وليري الذين أوتوا العلم.
قوله تعالى : (مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم ، ويعقوب ، والمفضّل : «من رجز أليم» رفعا ؛ والباقون بالخفض فيهما (١). وفي (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) قولان : أحدهما : أنهم مؤمنوا أهل الكتاب ، كعبد الله بن سلام وأصحابه ، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني : أصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم ، قاله قتادة.
قوله تعالى : (الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) يعني القرآن (هُوَ الْحَقَ) قال الفرّاء : «هو» عماد للذي ، فلذلك انتصب الحقّ. وما أخللنا به فقد سبق في مواضع (٢).
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ (٨) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٩))
قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) وهم منكروا البعث ، قال بعضهم لبعض : (هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ) أي : يقول لكم : إنّكم (إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ) أي : فرّقتم كلّ فريق ؛ والممزّق ها هنا مصدر بمعنى التّمزيق (إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) أي : يجدّد خلقكم للبعث. ثم أجاب بعضهم فقالوا : (أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً) حين زعم أنّا نبعث؟! وألف «أفترى» ألف استفهام ، وهو استفهام تعجّب وإنكار ، (أَمْ بِهِ جِنَّةٌ) أي : جنون؟! فردّ الله تعالى عليهم فقال : (بَلِ) أي : ليس الأمر كما تقولون من الافتراء والجنون ، بل (الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وهم الذين يجحدون البعث (فِي الْعَذابِ) إذا بعثوا في الآخرة (وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) من الحقّ في الدنيا. ثم وعظهم فقال : (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) وذلك أنّ الإنسان حيثما نظر رأى السماء والأرض قدّامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ؛ فالمعنى أنهم أين كانوا فأرضي وسمائي محيطة بهم ، وأنا القادر عليهم ، إن شئت خسفت بهم الأرض ، وإن شئت أسقطت عليهم قطعة من السماء (إِنَّ فِي ذلِكَ) أي : فيما يرون من السماء والأرض
__________________
(١) أي هنا وفي سورة الجاثية : ١١.
(٢) البقرة : ١٣٠ ـ ٢٦٧ ، الحج : ٥١ ـ ٥٢.